فضيحة مدوية جديدة تكشف جرائم الاستعمار فرنسا قتلت الجزائريين بالغازات في “حرب الكهوف”
محمد مسلم
2022/04/16
رغم مساعي السلطات الفرنسية الرامية إلى إخفاء فظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، إلا أن هذه الجرائم تأبى إلا أن تتسرب من حين إلى آخر معلنة عن نفسها، فاضحة الممارسات غير الإنسانية التي سلطها جيش الاحتلال على الجزائريين طيلة 132 سنة.
آخر فصول هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، هي ما عرف بـ”حرب الكهوف”، وفيها استخدم جيش الاحتلال الفرنسي غازات سامة حقن بها المغارات والكهوف التي كان يختبئ فيها المجاهدون إبان الثورة، وهو الفعل الذي يتناقض وبروتوكول جنيف، الذي وقعت عليه فرنسا في عام 1925.
جنود ومؤرخون يطالبون بالخرائط ونقل رفات الشهداء
وتحولت هذه المسألة إلى قضية رأي عام في فرنسا هذه الأيام، حيث نشرت في البداية المجلة الفرنسية الفصلية (XXI) في الفاتح من الشهر الجاري، تحقيقا مطولا عن استعمال الجيش الفرنسي غازات سامة ضد عناصر جيش التحرير في الكهوف، في جبال الأوراس والشمال القسنطيني وجبال جرجرة.
وفي السابع من أفريل الجاري، نظمت ندوة صحفية في مقر رابطة حقوق الإنسان بفرنسا، خصصت لمناقشة ملف “حرب الكهوف” التي انتهجها الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر، تبع ذلك برقية لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس براس) حملت مناشدة مؤرخين وصحفيين السلطات الفرنسية بفتح الأرشيف العسكري “المغلق”، بشأن استخدام الجيش الفرنسي للأسلحة الكيماوية في الكهوف خلال الحرب الجزائرية.
وفي السياق، وقع المؤرخان كريستوف لافاي (رئيس جمعية جوزيت وموريس أودين)، وبيار مانسات، مقالا في يومية “ليبراسيون”، فيما بُث برنامج حول الملف على قناتي “France culture” و”TV5MONDE” من إعداد الصحفية كلير بيي، أشار إلى “حرب في شبكات عملاقة تحت الأرض استخدم فيها الجيش الفرنسي الغازات السامة ضد عناصر جيش التحرير”.
بعد ذلك بأسبوع، عادت صحيفة “لوموند” الفرنسية لتنشر تحقيقا معمقا أعده الصحفي، فريديريك بوبين، حول هذا الملف الذي يعد أحد أسرار “الحرب الجزائرية” التي لا يزال أرشيفها مغيبا على المؤرخين، حيث كشفت الصحيفة أن الجيش الفرنسي استخدم الغازات السامة على نطاق واسع ضد الجزائريين المختبئين في الكهوف من عام 1956 إلى عام 1961، غير أن السلطات الفرنسية تخفي هذه الجريمة الشنعاء، من خلال منع الوصول إلى الأرشيف.
وتنقل الصحيفة بعض ما نُشر في المجلة وهي عبارة عن شهادات غير منشورة لجنود فرنسيين سابقين يروون فيها دورهم في “حرب الكهوف”، ومن بين “الأسلحة الخاصة” التي استعملت القنابل اليدوية والشموع والصواريخ المحملة بالغاز السام، ولاسيما CN2D، والتي تحتوي علىDM، وهي مادة كيميائية سامة تسبب تهيج العين والرئتين والأغشية المخاطية وكذلك الصداع والغثيان والقيء، ويصبح قاتلا في الأماكن المغلقة.
ويشار في هذا الصدد إلى عملية في عام 1959 في طولقة (قرب بسكرة)، وهنا يروي الجندي السابق جان فيدالينك، 85 عامًا، في مقابلة مع الصحفية كلير بيي، أنه استعمل هذا الغاز في مواجهة عناصر من جيش التحرير، في اليوم التالي تم اكتشاف “عشر جثث”، يقول: “لقد أطلقنا الغاز على الجزائريين”، وهي العملية ذاتها التي انتهجها الجيش الفرنسي ما بين 1844-1845 أثناء غزو الجزائر ضد المقاومين الموالين للأمير عبد القادر.
مثل هذه الممارسات الإجرامية كانت منتظمة في عمليات جيش الاحتلال، وهو ما يؤكد عليه جندي آخر (قُدِّم باسمه الأول “إيف”)، 86 عامًا، فقد اعترف بأنه شارك في 95 عملية من هذا النوع. كما أشار إلى أنه تم حقن الغاز أيضًا بهدف جعل الكهوف غير قابلة للاستخدام بمرور الوقت بسبب ترسبات الغاز.. هذا ما صرح به “إيف”، الذي قال “كان يجب أن نكشف كل هذا من قبل، لأن كم من المدنيين الذين اضطروا للعودة إلى الكهوف؟
ويؤكد كل من المؤرخين كريستوف لافاي، المتخصص في استخدام الأسلحة الكيماوية في نزاعات إنهاء الاستعمار، وجيل مانسيرون، المختص في الاستعمار الفرنسي، والصحفية كلير بيي، وبيير مانسات رئيس جمعية جوزيت وموريس أودين، أن “حرب الكهوف” صممتها هيئة أركان الأسلحة الخاصة بوزارة القوات المسلحة الفرنسية، من أجل استكمال “تحييد” مقاتلي جيش التحرير الوطني، لكن سمومها لا تزال على جدران الكهوف تؤذي الأطفال الصغار حتى اليوم.
وتقول الشهادات إن “وحدة الأسلحة الخاصة” تم إنشاؤها في عام 1956، ومنذ عام 1959، عمم الجنرال ديغول “حرب الكهوف”، وذلك بالرغم من أن بروتوكول جنيف الذي وقعت عليه فرنسا منذ عام 1925 يحظر “استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو الغازات المماثلة والوسائل البكتريولوجية في الحرب”.
تفجير مثل هذه الفضائح التي لم تتسرب من قبل، يجعل الحاجة إلى فتح أرشيف “حرب الكهوف”، أمرا ملحا، وفق المؤرخ كريستوف لافاي، لأن ذلك يساعد على “الوصول إلى المواقع التي دُفنت فيها الجثث، مما يجعل من الممكن نقلها، ومن ثم حل معرفة المفقودين في هذه الحرب”، ومنهم 650 جنديًا فرنسيًا اختفوا.