مما كان سفهاءُ قريش ورؤوس الكفر فيها يقولونه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق”، ظنا منهم – لسفه عقولهم وسفالة أنفسهم – أن الرسول ما ينبغي أن يكون “بشرا رسولا”، وإنما يجب -في زعمهم- أن يكون من جنس الملائكة، ولو كان كذلك لقالوا أنّى يكون لنا نبيٌّ من غير البشر، فالملائكة خَلقٌ مُكرمون ليس فيهم ولهم ما للبشر وفيهم من شهوات.
يبتلي الله -عز وجل- بعض الناس بشيء من المغانم ليُظهر معادنَهم، ويُخرج خبأَهم، فأما الذين يعتبرون تلك المغانم والمناصب خيرا ساقه الله -عز وجل- إليهم فإنهم يجعلونها وسائل لنفع الناس وفعل الخيرات، ولا يزيدهم ذلك إلا تواضعا لله، وشكرا له، وخدمة لعباده، وأما من انطوت نفوسُهم على خبائث فيعتبرون ما ابتلاهم به الله -عز وجل- ما أوتوه “إلا عن علم”، فيصعِّرون خدودهم استكبارا، ويلوون رؤوسهم، ويمشون في الأرض مرحا، ويبغون على من تضعهم الأقدارُ الإلهية تحت مسئوليتهم.
من هؤلاء شخص جاء من البدو، الذين ليس لهم أخلاقُ البدو الحسنة، إلى مدينة الجزائر فتديَّرها، وراح يتملَّق، ويتحذلق لمن يظن أنهم سيوصلونه إلى ما تهوى نفسُه ولو من غير الأبواب المشروعة.. وفي أيام الفتنة التي أشعلها من في قلوبهم مرض، وفي نفوسهم غرض، أطلق لسانه “الطويل”، وصبّ الزيت على النار، بدل أن يسعى إلى إطفاء تلك الفتنة التي كادت تعصف بالجزائر، ومست كثيرا من الجزائريين بنصب وعذاب، ودمَّرت ما دمَّرت من مؤسسات، وخرَّبت ما خرَّبت من منشآت، وصارت الجزائر منبوذة حتى من أراذل الأفراد والدول، وأشمتت بها الأعداء.
لم يطل مكثُ هذا الشخص في المسئولية التي أسنِدت إليه إلا قليلا، وكان يظن أنها ستطول، أو أنه سيخلد فيها.. ولكنه عاد كما كان نكرة لا يعرفه ولا يلتقي به إلا قليل من الناس. ولأنه لم يترك عملا صالحا، ولم يتصرّف تصرُّفا طيبا، فتطاول على أكثر من جعلتهم الأقدار تحت مسئوليته، ومسّ كثيرا بظلم قولي أو إداري، صار بعد ما أخرج من تلك المسئولية يتوارى عن الناس، كما كانوا -إن جمعتهم به بعض المناسبات- يتحاشونه، ولا يسلّمون عليه، وكثيرا ما كان يُرى منعزلا في زاوية…
كان لهذا الشخص صديق، يعلم كثيرٌ من الناس ما بين هذا المسؤول السابق وما بين هذا الصديق فيسألونه عنه، فيجيب وهو يرسم على شفتيه ابتسامة خفيفة: “إنه يأكل الطعام ولا يمشي في الأسواق”.. ولرسول الله -عليه الصلاة والسلام- المثل الأعلى.
إن كثيرا من الذين يبتليهم الله -عز وجل- بمناصب عالية، وبأموال كثيرة لينظر أيشكرون المُنعم أم يكفرونه، ويُحسنون إلى الناس أم يسيئون إليهم من غير سبب، يقدِّر الله -عز وجل- لهم أن يهووا من ساحق إلى أحطّ الأماكن، وقد يُسجنون، ويهانون جزاءً وِفاقا.. وإذا جاء ذكرُهم في المناسبات ذُكروا بسوء، وذُكِّروا -إن كانوا حاضرين- بما قالوا من بذيء القول، وما فعلوا من شائن الفعل.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.