المعلمــة بوقرّة سكينـــة من مدرسة ابن باديس إلى مهمّــة التدريس
المعلمــة بوقرّة سكينـــة من مدرسة ابن باديس إلى مهمّــة التدريس
المطور أرسل بريدا إلكترونيا الأربعاء 13 شعبان 1443? 16-3-2022م
أ. عبد المالك عمراني */
ظهرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين في 5 ماي 1931 بزعامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، حدّدت أهدافها بكل وضوح: تطهير الدين الإسلاميّ من البدع والخرافات، العمل على نشر العلم والمعرفة بهدف بثّ الوعي في وسط الشعب، العمل على إحياء اللغة العربيّة، إعادة بعث الأمة الجزائريّة من خلال الاهتمام بتاريخ الجزائر تأليفا و تدريسا. وكان لدى رجال جمعية العلماء قناعة راسخة مفادها أن تحرير الأذهان أولى من تحرير الأوطان، لذا أولت اهتماما كبيرا للتعليم من خلال تشجيع بناء منارات العلم خاصّة المدارس التي عمّت مختلف المناطق دون استثناء ومنها منطقة البويرة.
مدارس جمعية العلماء في منطقة البويرة
مكّن الموقع الإستراتيجيّ لمنطقة البويرة من أن تلعب دورا محوريّا في التواصل الحضاريّ والثقافيّ بين المناطق المختلفة من الجزائر قديما و حديثا، ولعلّ أهميّة هذا الموقع جعلت جمعية العلماء تولي عناية خاصّة لها، من خلال زيارات العديد من شيوخ ومرشدي الجمعية مثل زيارة الشيخ أحمد حماني في 1938، البشير الإبراهيميّ في 1948،الشيخ سعيد صالحي في ماي 1945.
من المؤكّد أنّ تلك الزيارات وذلك الاهتمام توّج بإنشاء العديد من المدارس في المنطقة منها مدرسة أث يخلف بمنطقة مشدالله التي درّس بها الشيخ محمد الصادق بن أرزقي والشيخ محمد الشريف الثعالبيّ، مدرسة أهل القصر التي درس بها الشيخ محمد الطيّب قاسمي، مدرسة التربية والتعليم بالعجيبة التي درّس بها محمد العربي بن بوزيد والشيخ أحمد شقا الثعالبيّ، مدرسة الفلاح بأولاد إبراهيم بمنطقة مشدالله التي درّس بها الشيخ الصالح صالح 5-، مدرسة الفضيل الورتيلانيّ في ايزمورن بحيزر التي درّس بها كلّ من محمد فضيل، علي لرباس، أعمر عيقون، مدرسة الأسنام التي درّس بها الشيخ أحمد عيقون، مدرسة زبّوجة التي درّس بها الشيخ أعمر عيقون، الى جانب مدرسة البويرة-6- و مدرسة الإسلام والعروبة في بني منصور التي كان يدير شؤونها رئيس الجمعية الشيخ الحاج علي صافية والشهيد سي حمّوش بركان وسي عمر حملات ودرّس بها الشيخ محمّد الطاهر تاملوكي.. استطاعت هذه المدارس أن تبعث في حدود 1950/ 1951 أولّ دفعة من تلامذتها إلى معهد ابن باديس في قسنطينة من بينهم الطالب محمد ليمام.
كانت هذه المدارس بمثابة منارات لنشر العلم والمعرفة، ولم يقتصر دورها على تعليم الذكور بل استقبلت حتّى الإناث ومنهنّ المجاهدة بوقرّة سكينة موضوع حديثنا في هذا المقال.
اهتمام جمعية العلماء بتعليم المرأة الجزائرية:
تميّز المشروع الإصلاحيّ لجمعية العلماء المسلمين الجزائريّين بكونه شمل جميع فئات المجتمع دون استثناء؛ الصغار والكبار، الرجال والنساء، فكيف كانت نظرة الجمعية للمرأة الجزائريّة؟
أدركت جمعية العلماء دور المرأة في نجاح عملية الإصلاح والتوعية، ممّا يستلزم عناية خاصّة بها، خاصّة وأنّها كانت تعيش في بيئة يسود فيها الجهل والتخلّف والاستبداد الاستعماريّ، وفي هذا الشأن كتب ابن باديس في الشهاب بأنّ البيت هو المدرسة الأولى والمصنع الأصليّ لتكوين الرجال، وتديّن الأم أساس حفظ الدين والخلق ونظرا لأهمية تعليم المرأة في بناء المجتمع سعت الجمعية إلى فتح مدارسها للبنات وتعليمهن مجانا تشجيعا للآباء على دفع بناتهم إلى التعلّم.
استقبلت العديد من مدارس الجمعية أعدادا من البنات مثل مدرسة الشبيبة الإسلاميّة بتيزي وزو التي برمجت دروسا حتّى في فنون التدبير المنزليّ، تشير الإحصائيات لسنة 1951 إلى وجود 5696 تلميذة مسجّلة في 125 مدرسة على المستوى الوطنيّ وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على نجاح إستراتيجية الجمعية في تعليم البنات من خلال التوعية والتحفيز، وبرز العديد منهنّ وتولّين مسؤوليات جسامًا كالتدريس والتوعية خاصّة إبّان الثورة.
المجاهدة بوقرّة سكينة في سطور
ولدت في 1 جانفي 1942 في منطقة بني منصور، ترعرعت في بيئة بسيطة وسط عائلة متواضعة معروفة بالإصلاح؛ فوالدها الشيخ أحمد بوقرّة من بين رجال الإصلاح في المنطقة، دخلت المدرسة في سنّ الثالثة وتعلّمت الحروف الهجائيّة بمدرسة العروبة والإسلام ببني منصور على يد الشيخ محمد الطاهر تملوكي، ونظرا لظروف خاصّة انتقلت مع عائلتها إلى منطقة عين القصر (أهل القصر حاليا) وواصلت دراستها – ولم تتجاوز 12 سنة من عمرها- في مدرسة الحياة التي أنشأتها جمعية العلماء.
انتقلت إلى مدينة تازمالت في 1953 لتواصل دراستها هناك في مدرسة التربية والتعليم ويكون مدرسها الشهيد الشيخ عبد المالك فضلاء، ونظرا لذكائها وتفوّقها الدراسيّ تمّ اختيارها لتلقي كلمة ترحيب على شرف وفد جمعية العلماء وعلى رأسهم الشيخ العربي التبسيّ بمناسبة افتتاح مسجد تازمالت في 20 أفريل 1954. وبحسب شهادة المجاهدة بوقرّة سكينة فإنّ الفضل يعود للشيخ عبد المالك فضلاء في تعليم البنات في تازمالت إذ كان التعليم قبله مقتصرا على الذكور فقط، والبنات كنّ يدرسن في المدرسة الفرنسيّة، وبوصوله ازدهر التعليم في المنطقة.
نشاطها التربوي والتعليمي خلال الثورة
قال أحد المجاهدين: «هل يحسب المستعمرون أنّ أولئك الذين صعدوا إلى الجبال سينزلون منها دون أن يحصلوا على الاستقلال، ولو افترضنا أنّه لم يبق بالجزائر إلا امرأة عمياء فإنّها لن تتردّد في حمل السلاح والكفاح من أجل وطنها». نستنتج من هذه المقولة أنّ المرأة الجزائريّة وقفت أثناء الثورة إلى جانب أخيها الرجل بل وحملت العبء الكبير من خلال القيام بجميع الأدوار أكثر من الرجل من طهي الطعام وغسل ثياب المجاهدين، التمريض، الحراسة، حمل السلاح لتشارك في المعارك، كما تعرضّت للتعذيب والاستنطاق والسجن دون رحمة ولا شفقة، وإذا كانت بعض المجاهدات انضممن إلى صفوف الجيش في الجبال فإنّ البعض الأخر بقين في القرى والمد اشر في وسط السكان لتقديم العلاج لهم أو تقديم الدروس التربويّة للأطفال، وتوعية السكان بضرورة الانخراط في الثورة. و من بين اللواتي قمن بهذا الدور المجاهدة بوقرّة سكينة إحدى حسناوات منطقة البويرة.
عند اندلاع الثورة التحريريّة في أول نوفمبر 1954 انتهى عهد الدراسة، وعادت سكينة مع عائلتها إلى منطقة بني منصور، وفي حدود سنة 1956 اتّصل بها المجاهدون وكلّفوها بتقديم الدروس للأطفال ذكورا و إناثا، فالمساهمة في خدمة الثورة لا تتطلّب الحصول على الشهادة العليا بل ما أخذته من علم من مدارس الجمعية كان كفيلا بتقديم الكثير للثورة.
درست المجاهدة بوقرّة سكينة في منطقة السبخة، وكانت تدرّس البنات وأختها تدرّس البنين، ودام ذلك ثمانية أشهر، وبسبب مضايقات العدو انتقلت مع والدها من منطقة السبخة الى منطقة بهاليل –إبهلال ثم منطقة أث عباس – إغيل علي – وهناك تكفّلت بتقديم دروس التوعية أكثر من التدريس لفائدة سكان المنطقة، ثمّ انتقلت إلى منطقة مزارير لتقديم الدروس لأبناء المنطقة بما في ذلك إغزر ناث سعيذ، ولكن نظرا لكون المنطقة جبليّة صعبة المسالك – بين مكان اختباء والدها المرافق لها والمطلوب من السلطات الفرنسيّة رغم كبره في السنّ – اقترحت على مسؤول الحبوس هناك سي محمد السعيد أوزفون تغيير المكان، فقام بتحويلها إلى منطقة تاوريرت في أعالي أقويلال، هناك كان في بيت عبوط والمبيت في بيت موساوي، لم تستقرّ المجاهدة بوقرّة طويلا بالمنطقة إذ مكثت حوالي خمسة أشهر فقط لتغادر المنطقة بسبب وفاة والدها.
لم تسلم المجاهدة بوقرة من بطش العدوّ الذي قام بسجنها في حدود سنة 1961 لتعيش المعاناة مع أخواتها المجاهدات، لكن كلّ شيء يهون في سبيل تحرير الوطن.
بوقرّة سكينة – على الرغم من حداثة سنّها وتواضع مستواها التعليميّ – ساهمت كثيرا في توعية الناس في المناطق التي مرت بها، ولعبت دورا كبيرا في تلقين الأطفال الصغار مبادئ اللغة العربيّة والحساب رغم مضايقات العدو ورغم الإمكانات المحدودة والبسيطة، واستطاعت أن تجسّد فكرة “أنّ الأمّ هي الأمّة”.
*مدير ثانوية
المعلمــة بوقرّة سكينـــة من مدرسة ابن باديس إلى مهمّــة التدريس/// البصائر