جنين بورزق

الحضارة دمرت بعضها

هناك سؤال يتردد الآن كثيرا من يعيد بناء المدن والقرى التى دمرتها الحروب وتحولت إلى أطلال تبكى على أهلها وسكانها وموتاها؟ أتمنى لو أن إحدى شركات الإنتاج السينمائى الكبرى تقوم بهذه المهمة وتنتج فيلما تسجيليا عن هذه المأساة .. فى بعض اللقطات القصيرة التى تظهر أحيانا على الشاشات يتضح حجم الجرائم فى هذا العصر الذى يدعى الحضارة والمدنية .. لا يخلو مكان من هذه الصور الدامية فى سوريا آلاف البيوت التى تحولت إلى أطلال وهاجر أصحابها ولا أحد منهم يعلم متى يعود إلى وطنه.. وماذا سيفعل فى أطلال بيته.. تستطيع أن تشاهد هذه الأطلال فى ليبيا واليمن والعراق وفلسطين وأخيراً فى أوكرانيا التى تحولت إلى مدن للأشباح.. ترى من يتحمل نفقات إعادة بناء هذه المدن وبيوت أصحابها.. أين مدارسها وجامعاتها ومستشفياتها.. هل فكر أحد من يعيد بناء هذه الدول ومتى؟ إن هذه الجرائم تحتاج إلى محاكمات قد تستغرق عشرات السنين ولا تجد من يدافع عن قضاياها .. إذا كانت إعادة البناء أمراً صعبا بل مستحيلا فليس أقل من أن يحافظ العالم على ما بقى من أطلالها تذكاراً لأجيال ستجيء .. إن الملايين من البشر الذين انتشروا فى بلاد الله ويعيشون فى الخيام والملاجئ لن ينسوا أوطانهم .. وسوف يحلمون دائما بالعودة إليها وسوف يلعنون فى صلواتهم كل من كان سببا فى رحيلهم عن أوطانهم .. هناك قصص كثيرة من المآسى ربما وجدناها يوما فى كراسات الأطفال وحكايات الأمهات عن محنة هذا العصر الذى ارتكب كل هذه الكوارث.. رغم أنه كثيراً ما تحدث عن الرحمة وحقوق الإنسان وهى فى الحقيقة عقوق الإنسان.. هل يمكن أن نرى يوما مؤسسات دولية تطالب بإعادة بناء أطلال المدن التى دمرتها الحروب وأن تشارك المؤسسات الخيرية فى إعادة المهاجرين إلى بيوتهم.. وهل يمكن أن تنطلق دعوات من أثرياء العالم لهذه المهمة الإنسانية ربما زالت عن هذا العصر لعنة أنه كان بلا قلب أو ضمير؟

الأحد 17 من شعبان 1443 هــ 20 مارس 2022 السنة 146 العدد 49412

فاروق جويدة/ الاهرام