مذكرات شاب
ليس دائما ً: تقول أمي الحقيقة !!..
ثماني مرات : كذبت أمي عليّ !!!...
تبدأ القصة عند ولادتي ، فكنت الابن الوحيد في أسرةشديدة الفقر
فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا ....
وإذا وجدنا في يوم منالأيام بعضا ًمن الأرز لنأكله ويسد جوعنا :
كانت أمي تعطيني نصيبها .. وبينماكانت تحوِّل الأرز من طبقها إلى
طبقي كانت تقول : يا ولدي تناول هذا الأرز ،فأنا لست جائعة ..
وكانت هذه كذبتها الأولى
وعندما كبرت أنا شيئا قليلا كانتأمي تنتهي من شئون المنزل وتذهب
للصيد في نهر صغير بجوار منزلنا ، وكان عندهاأمل أن أتناول سمكة قد
تساعدني على أن أتغذى وأنمو ، وفي مرة من المرات استطاعتبفضل
الله أن تصطاد سمكتين ، أسرعت إلى البيت وأعدت الغذاء ووضعت
السمكتينأمامي فبدأت أنا أتناول السمكة الأولى شيئا فشيئا ، وكانت أمي
تتناول ما يتبقىمن اللحم حول العظام والشوك ، فاهتز قلبي لذلك ،
وضعت السمكة الأخرى أمامهالتأكلها ، فأعادتها أمامي فورا وقالت :
يا ولدي تناول هذه السمكة أيضا ، ألاتعرف أني لا أحب السمك ..
وكانت هذه كذبتها الثانية
وعندما كبرت أنا كان لابدأن ألتحق بالمدرسة ، ولم يكن معنا من المال
ما يكفي مصروفات الدراسة ، ذهبت أميإلى السوق واتفقت مع موظف بأحد
محال الملابس أن تقوم هي بتسويق البضاعة بأن تدورعلى المنازل
وتعرض الملابس على السيدات ، وفي ليلة شتاء ممطرة ، تأخرت أميفي
العمل وكنت أنتظرها بالمنزل ، فخرجت أبحث عنها في الشوارع المجاورة،
ووجدتها تحمل البضائع وتطرق أبواب البيوت ، فناديتها : أمي ، هيا نعود
إلىالمنزل فالوقت متأخر والبرد شديد وبإمكانك أن تواصلي العمل في الصباح ،
فابتسمتأمي وقالت لي : يا ولدي.. أنا لست مرهقة ..
وكانت هذه كذبتها الثالثة
وفي يومكان اختبار آخر العام بالمدرسة ، أصرت أمي على الذهاب معي ،
ودخلت أنا ووقفت هيتنتظر خروجي في حرارة الشمس المحرقة ،
وعندما دق الجرس وانتهى الامتحان خرجت لهافاحتضنتني بقوة ودفء
وبشرتني بالتوفيق من الله تعالى ، ووجدت معها كوبا فيهمشروب كانت
قد اشترته لي كي أتناوله عند خروجي ، فشربته من شدة العطش حتى ارتويت،
بالرغم من أن احتضان أمي لي : كان أكثر بردا وسلاما ، وفجأة نظرت
إلى وجههافوجدت العرق يتصبب منه ، فأعطيتها الكوب على الفور وقلت لها :
اشربي يا أمي ،فردت : يا ولدي اشرب أنت ، أنا لست عطشانة ..
وكانت هذه كذبتها الرابعة
وبعدوفاة أبي كان على أمي أن تعيش حياة الأم الأرملة الوحيدة ، وأصبحت
مسئولية البيتتقع عليها وحدها ، ويجب عليها أن توفر جميع الاحتياجات،
فأصبحت الحياة أكثرتعقيدا وصرنا نعاني الجوع ، كان عمي رجلا طيبا
وكان يسكن بجانبنا ويرسل لنا مانسد به جوعنا ، وعندما رأى الجيران
حالتنا تتدهور من سيء إلى أسوأ ، نصحوا أميبأن تتزوج رجلا ينفق
علينا فهي لازالت صغيرة ، ولكن أمي رفضت الزواج قائلة :
أنا لست بحاجة إلى الحب ..
وكانت هذه كذبتها الخامسة
وبعدما انتهيت مندراستي وتخرجت من الجامعة ، حصلت على وظيفة
إلى حد ما جيدة ، واعتقدت أن هذا هوالوقت المناسب لكي تستريح أمي
وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل ، وكانت فيذلك الوقت لم يعد
لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل ، فكانت تفرشفرشا
في السوق وتبيع الخضروات كل صباح ، فلما رفضت أن تترك العمل
خصصت لهاجزءا من راتبي ، فرفضت أن تأخذه قائلة :
يا ولدي احتفظ بمالك ، إن معي من المالما يكفيني ..
وكانت هذه كذبتها السادسة
وبجانب عملي واصلت دراستي كي أحصل علىدرجة الماجيستير ،
وبالفعل نجحت وارتفع راتبي ، ومنحتني الشركة الألمانية التيأعمل بها
الفرصة للعمل بالفرع الرئيسي لها بألمانيا ، فشعرت بسعادة بالغة،
وبدأت أحلم ببداية جديدة وحياة سعيدة ، وبعدما سافرت وهيأت الظروف ،
اتصلتبأمي أدعوها لكي تأتي للإقامة معي ، ولكنها لم تحب أن تضايقني
وقالت : يا ولدي .. أنا لست معتادة على المعيشة المترفة ...
وكانت هذه كذبتها السابعة
كبرتأمي وأصبحت في سن الشيخوخة ، وأصابها مرض السرطان اللعين ،
وكان يجب أن يكونبجانبها من يمرضها ، ولكن ماذا أفعل فبيني وبين
أمي الحبيبة بلاد ، تركت كل شيءوذهبت لزيارتها في منزلنا ، فوجدتها
طريحة الفراش بعد إجراء العملية ، عندمارأتني حاولت أمي أن تبتسم لي
ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدا وضعيفة ،ليست أمي
التي أعرفها ، انهمرت الدموع من عيني ولكن أمي حاولت أنتواسيني
فقالت : لا تبكي يا ولدي فأنا لا أشعر بالألم...
وكانت هذه كذبتهاالثامنة
وبعدما قالت لي ذلك ، أغلقت عينيها ، فلم تفتحهما بعدها أبدا ...
إلىكل من ينعم بوجود أمه في حياته :
حافظ على هذه النعمة قبل أن تحزن على فقدانها ...
وإلى كل من فقد أمه الحبيبة :
تذكر دائما كم تعبت من أجلك ، وادع اللهتعالى لها بالرحمة والمغفرة ..
أحبك يا أمـي