الحرب الروسية الاوكرانية :جولة قصيرة وآثار كبيرة
الأربعاء 6 شعبان 1443? 9-3-2022م
الحرب الروسية الاوكرانية :جولة قصيرة وآثار كبيرة
أ. عبد الحميد عبدوس/
بعد ثلاثة أيام من خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الاثنين 21 فيفري 2022) الذي اعترف فيه باستقلال «جمهورية لوغانسك الشعبية، وجمهورية دونيتسك الشعبية» اندلعت الحرب في أوكرانيا وتحولت التوترات السياسية الأمنية إلى حرب مفتوحة، وبرر الكرملين إقدامه على غزو أوكرانيا عسكريا بتلقيه طلبا من قادة دونيتسك ولوغانسك للمساعدة في صدّ هجمات الجيش الأوكراني.
الأزمة الأوكرانية التي قال عنها الأمين العام للأمم المتحدة انطنيوغوتيريش بأنها: «أكبر أزمة سلام وأمن عالمية في السنوات الأخيرة». كما وصفت بأنها أخطر أزمة أمنية في اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية ظلت تطفو على سطح الأحداث العالمية وتحبس أنفاس المتابعين لها والمنقسمين بشأنها بين متفائل بقدرة الدبلوماسية على تسوية الأزمة بأقل الأضرار الممكنة وبين متشائم بإمكانية تطور الأمور إلى مواجهة عسكرية واسعة وشاملة قد تجر العالم إلى جحيم حرب عالمية ثالثة.
الغزو الروسي لأوكرانيا ردت عليه الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما بفرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية من خلال نسق تصاعدي مع تطور الاحداث، ورغم حجم تلك العقوبات الغربية إلا أنها كانت في نظر القادة الروس أقل سوءا من الاستسلام لرغبة الغرب في توسيع حدود حلفه العسكري (الناتو) إلى الحدود الغربية للدولة الروسية ،فقد اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب بمحاولة حبس روسيا كقوة عالمية منبعثة وتطويقها عسكريا.
لقد أدى توسع حلف الناتو شرقا إلى أن أصبحت دولة مثل ليتوانيا وهي لا تبعد سوى 70 كلم عن مدينة كالينغراد الروسية عضوا في حلف الناتو الذي انضمت إليه مع دول البلطيق المجاورة لروسيا في عام 2004 ولذلك كانت مطالب روسيا خلال جولات الحوار التي جرت بين روسيا والغرب لمنع انزلاق الأمور إلى مواجهة عسكرية هي : «وقف توسعة الناتو، إلغاء عملية نشر الأسلحة بالقرب من الحدود الروسية، وإعادة المنشآت العسكرية التابعة للناتو إلى المواقع التي كانت فيها عام 1997 عندما وقعت اتفاقية القانون التأسيسي بين روسيا والحلف»، وفي المقابل رفضت الولايات المتحدة الأمريكية مطالب روسيا واعتبرت مطلب أوكرانيا الانضمام إلى الناتو «حقاً سيادياً». ومن جانبه أكد حلف الناتو إنه لن تكون هناك حدود للانتشار العسكري داخل دوله الأعضاء ورفض الموافقة على وضع قيود تمنع بلدانا بعينها من الانضمام إلى الحلف في المستقبل.
للتذكير ففي سنة 1962 رفضت الولايات المتحدة الأمريكية نشر صواريخ نووية سوفيتية على أراضي كوبا التي لا تبعد عن ولاية فلوريدا الأمريكية سوى 140 كلم، وهدد الرئيس الأمريكي آنذاك جون كينيدي بتدمير الصواريخ السوفيتية وغزو كوبا وعاش العالم بسبب رفض الولايات المتحدة الامريكية اقتراب الاتحاد السوفياتي من نشر قواعد عسكرية على مقربة من من حدودها في رعب اندلاع حرب عالمية ثالثة بين الدولتين النوويتين والقوتين العظميين، فاتخذ الرئيس السوفيتي آنذاك نيكيتا كروتشيف خيار التفاوض وسحب الصواريخ النووية من كوبا مقابل سحب الولايات المتحدة الأمريكية صواريخها النووية من تركيا القريبة من أراضي الاتحاد السوفياتي. حدث ذلك في عهد ما كان يسمى «الثنائية القطبية»، غيرأن الهواجس الأمنية حتى بعد نهاية الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفياتي ظلت في صلب استراتيجيات الدول،ولذلك اعتبرت السلطات الروسية بعد ستين سنة من ازمة صواريخ كوبا أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو يشكل خطا أحمر بالنسبة لأمنها القومي. كانت أوكرانيا من 1923 إلى 1991 ضمن جمهوريات الاتحاد السوياتي، وكانت تعدّ ثالث قوة نووية في العالم بعد روسيا والولايات المتحدة، في عام 1994 تنازلت لروسيا وفقا لاتفاقية بودابست عن ترسانتها النووية التي كان حجمها يقدر بثلث الإرث النووي السوفياتي وتتكون من نحو 5 آلاف سلاح نووي ، ونصت اتفاقية بودابست الموقعة بهذا الخصوص من طرف أوكرانيا، والولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا على منح أوكرانيا ضمانات الحفاظ على وحدتها وحماية أمنها.
في أفريل 2019 أدى فوز الرئيس الحالي والكوميدي السابق فلاديمير زيلينسكي، بالانتخابات الرئاسية إلى إعطاء دفعة قوية لسياسة أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي رغم أن وثيقة إعلان استقلال أوكرانيا نصت على مبدأ حياد الدولة وعدم المشاركة في الكتل العسكرية، فأصبحت السلطات الروسية تتهم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بأنه دمية في يد الغرب ومدفوع من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لممارسة سياسة عدوانية ضد روسيا،تماما كما كان الغرب يتهم الرئيس الأوكراني الاسبق فيكتور يانوكوفيتش الذي حرص على استمرار أوكرانيا في سياسة عدم الانحياز، ورفض الانضمام إلى الاتحاد أوروبي وحلف الناتو بأنه دمية في يد روسيا، ودعم الغرب ثورة شعبية ضده سميت بثورة الميدان الأوروبي وأطاحت به في سنة 2014.
قبل الغزو الروسي لأوكرانيا ظل الرئيس الأمريكي جو بايدن يصعد لهجة التهديد والوعيد بفرض عقوبات قاسية على روسيا إلى درجة أنه حدد يوم 16 فبراير الجاري (2022) كموعد «غزو» روسيا لأوكرانيا مما جعل الرئيس الأوكراني يدعوـ آنذاك ـ إلى الكف عن إثارة ذعر الأوكرانيين بالحديث عن اجتياح روسي، وفي المقابل كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يؤكد أنه حصل من نظيره الروسي فلاديمير بوتين على تأكيد «بألا يحصل تدهور أو تصعيد في الأزمة»، هذا التصريح الفرنسي جعل المتحدث باسم الكرملين يعقب عليه بالقول: «لا يمكنني التعليق على ذلك، لا أفهم تماما ما الذي يتحدث عنه الزملاء الفرنسيون». لم تكن هذه هي الإهانة الوحيدة التي تلقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال تدخله في الازمة الأوكرانية،فبعد ساعات قليلة من إعلان قصر الإليزي عن قمة مرتقبة بين الرئيسين الروسي و الأمريكي لحل الأزمة سلميا، بثت وسائل الإعلام العالمية خطاب الرئيس بوتين الذي أعلن فيه الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك والذي كان بمثابة غلق باب اللقاءات السياسية والمساعي الدبلوماسية.
بعد 24 ساعة من دخول القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية عبر الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي عن خيبته من ردة فعل حلف الناتو من الغزو الروسي، وبدا واضحا أنه بالغ في آماله في قدرة دول الغرب وخصوصا أعضاء الحلف الأطلسي على منع روسيا من استخدام القوة العسكرية ضد اوكرانيا ، فبعد ساعات من تنديد زيلينسكي بعدم مساندة أي دولة غربية لبلاده في هذه المعركة قال لقادة الاتحاد الأوروبي: «قد تكون هذه آخر مرة ترونني فيها على قيد الحياة». وحتى القادة الغربيون وخصوصا الأمريكيون والبريطانيون الذين بذلوا قصارى جهودهم في تحريض الرئيس الأوكراني على عدم الرضوخ لمطالب روسيا والتمسك بخيار مواجهتها لم يعد يساورهم الشك في طبيعة مآل الحرب ومصير الرئيس زيلينسكي فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن المملكة المتحدة مستعدة لمنح اللجوء للقيادة الأوكرانية في حال الضرورة.
لم تمر سوى أيام قليلة على بداية التدخل الروسي حتى ظهرت بوضوح الآثار المدمرة للحرب على حياة الناس ومظاهر العمران والاقتصاد في أوكرانيا، ولم تفلح استعدادات الجيش الأوكراني في مواجهة القوة الحربية الهائلة لروسيا التي تملك ثاني أقوى جيش في العالم.هذه الحرب التي يتوقع بعض المحللين ان تغير نظام العالم مهما كانت نتائجها.
الحرب الروسية الاوكرانية :جولة قصيرة وآثار كبيرة عبد الحميد عبدوس