الحثّ على العمل وكراهية البطالة
الحثّ على العمل وكراهية البطالة
اسلاميات 7 مارس 2022 (منذ يومين) الدكتور عبد الحقّ حميش
كثُر الحديث هذه الأيّام في بلادنا عن منحة البطالة والّتي أثارت جدلًا ولغطًا كبيرين، ممّا يستوجب علينا بيان فضل العمل في ديننا الإسلامي وأنّ العامل وصاحب المهنة الكاد على نفسه وأسرته وعياله، أفضل من السّعي وراء منحة دراهم معدودة لا تُسمن ولا تغني من جوع. ومهما كان سبب البطالة، فإنّ الإسلام يُنظر إليها نظرة سلبية، ويرفض الاستسلام لها، أو القعود دون عمل.
ظاهرة البطالة تعود على أصحابها وعلى الأمّة بالضرر الكبير والشر المستطير؛ لما لها من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الّتي لا يمكن إهمالها، فالبطالة تشكّل السّبب الرئيسي لمعظم الأمراض والمشكلات الاجتماعية: كالتّطرف، والإرهاب، والمخدرات، والجريمة بأنواعها...
ونظرًا لما للبطالة من أثار مدمّرة للفرد والمجتمع، وقف الإسلام منها موقفًا شديدًا، وحاربها محاربة هائلةً، فقد بثّ في روع أتباعه النّفور منها، والبغض لها، وبين أثارها على صاحبها في الدّنيا والآخرة: فقد قال صلى الله عليه وسلم: “لأن يأخذ أحدُكم حبله فيأتي الجبل، فيجيء بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل النّاس، أعطوه أو منعوه”.
ورويَ أنّه جاءه رجلان يسألانه الصّدقة، فرفع فيهما البصر وخفضه، فوجدهما جلدين قويين فقال: “إن شئتُما أعطيتكما، ولا حظّ فيها لغنيّ، ولا لقويّ مكتسب..”.
كما أنّه توعّد سائل النّاس عن غير حاجة، فقال: عليه الصّلاة والسّلام: “لا تزال المسألة بأحدكم حتّى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم”.
وفي ذات الوقت حثّ الإسلام أتباعه على العمل، وأمر بالسّعي والكدّ لكسب الرّزق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}، وقال عزّ وجلّ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ}.
إنّ الإسلام يمقت الكسل، ويُنَفِّر من العجز والاستكانة واليأسِ، وهو لا يريد أن يكون المؤمن ضعيفًا فيَذِلَّ، أو محتاجًا فيَطمَع، أو متقاعسًا فيَتَخَلَّف. وكان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يتعوّذ بالله من الكسل والخمول، فكان من دعائه: “اللّهُمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل..”.
وكان عمر من أشدّ النّاس دعوة للعمل، وحُبّا للعاملين، وكراهية وبُغضًا للكسالى الخاملين، وهو الّذي ينسب إليه القول المشهور: “لا يقعد أحدكم عن طلب الرّزق ويقول اللّهمّ ارزقني، فقد علمتم أنّ السّماء لا تمطر ذهبًا ولا فضّة”. وكان إذا أعجبه إنسان سأل: هل له من عمل؟ فإن قيل لا. سقط من عينه. وكان يأمر الناس بتعلُّم الحرف والمهن، ويقول: “يوشك أحدكم أن يحتاج إلى مهنة وإن كان من الأغنياء”. ومن جميل كلامه: “إنّ الله خلق هذه الأيدي لتعمل، فإن لم تجد في الطّاعة عملًا، وجدت في المعصية أعمالًا”.
فينبغي على العبد أن يعمل ليغني نفسه ويطعمها، ويطعم أهله ومن يعول، وليس ثمّ عمل مرذول، طالما كان حلالًا، وإنّما هي الهمم، بل أعظم ما يأكل الإنسان وأشرفه ما كان من عمل يده؛ كما روى البخاري عن المقدام بن معدي كرب أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “ما أكل أحد طعامًا قطّ خير من أن يأكل من عمل يد، وإنّ نبيّ الله داود كان يأكل من عمل يده”.. فلا عذر بعد ذلك لقاعد أو سائل.
والإسلام لم يكتفِ بالدّعوة إلى العمل، وبيان فضله، بل حذّر من البطالة، والكسل، والتّواكُل، ولذا جاء الإسلام بالآداب ومكارم الأخلاق من أجل تربية النّاس تربية إسلامية وتحلّيهم بالأخلاق الحسنة، وحثّهم على العمل وعدم الكسل وسؤال النّاس.
ومن أقبح الموارد المعيشية في الإسلام الاعتماد على جهد الآخرين والتّسوُّل من غير ضرورة، ولذلك فضّل الإسلام المعطي على الآخذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمَنْ تعول”.
والله سبحانه أمرنا أن نسير في الأرض، وأن نضرب في نواحيها باحثين عن مخبآتها وكنوزها، وأن نتعلّم العلوم النّافعة، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.
وإنّ من ثمرات العمل: عِفّة النّفس، القيام بالمهمّة الّتي من أجلها خلقنا الله تعالى، تنشيط الجسد والحفاظ عليه، إشغال النّفس عن الحرام، سبب من أسباب الرّزق، وهو سبب في التّقدّم الحضاري والعمراني، كما أنّه رفعة للعبد عند الله وبين النّاس في المجتمع.
إنّ توفير فرص العمل حقّ واجب للفرد في الإسلام، والدولة عليها مسؤولية توفير منافذ للعمل، وتهيئة السوق لاستقبال الأيدي العاملة، والدولة الواعية هي الّتي تعتني بالأيدي العاملة؛ كي تتفادى أزمات الأفواه الجائعة، وتحمي المجتمع من سيّئات ومنكرات البطالة.