أمنُنا الغذائي.. اليوم قبل الغد
أمنُنا الغذائي.. اليوم قبل الغد
عمار يزلي
2022/03/07
التعبئة الشاملة عندنا اليوم في مجال ضمان الأمن الغذائي كإستراتيجية تنمية مبدئية، بدا واضحا أنه جاء في وقته إن لم يكن متأخرا قليلا قياسا بما مضى من الأعوام المهدورة في حرق عائدات النفط للأجيال الحالية والقادمة في واردات كان بالإمكان أن تنتَج محليا ونصدِّر الفائض منها.
حرص الدولة اليوم ضمن برنامج رئيس الجمهورية على ضمان الأمن الغذائي الوطني من خلال دعم وتشجيع الزراعة الصحراوية، خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الغذائية ذات الاستهلاك الواسع ومنها الحبوب بمختلف أنواعها، هو السبيل لوقف نزيف العملة الصعبة والسبيل الأوحد لضمان قلة التكلفة والأمن الغذائي اليوم قبل الغد.
يشهد على هذا التوجه وتبصره وحكمته، أسعار القمح في البورصات العالمية بعد أحداث أوكرانيا. القمح الذي كنا نستورد جزءا منه من روسيا بعد فرنسا، صار اليوم مكلفا إن لم يكن شبه مستحيل في ظل العقوبات الدولية على موسكو، وفي ظل تراجع محتمل لإنتاج الحبوب في أوكرانيا التي كانت تمثل “مطمورة أوروبا” في العهد السوفييتي، تماما مثل ما كانت الجزائر “مطمورة روما” في العهود القديمة.
مضاعفة المساحات المروية عبر السقي المحوري في الجنوب من أجل إنتاج القمح الصلب والليِّن والشعير والذرة من أجل الأعلاف، بما يسمح لنا من رفع وتيرة المردودية في الهكتار الواحد من 13 قنطارا إلى نحو 40 إلى 50 قنطارا، من شأن ذلك أن يضمن في المستقبل القريب الاكتفاء الذاتي في مجال لإنتاج الحبوب والأعلاف وربما نتوجه بعدها إلى التصدير في المدى المتوسط والبعيد.
هذه الإستراتيجية لو أتُّبِعت ضمن مسار سياسة تنمية شاملة مستدامة قبل اليوم، وفي ظل البحبوبة المالية التي كنا ننعم بها قبل 20 سنة، لكُنّا اليوم في غنى عن أي استيراد في مجال الغذاء وكثير من المنتجات ذات الاستهلاك الواسع، ولكُنّا اليوم اكتفينا ببعض العناصر التكنولوجية الضامنة لتثوير وتطوير صناعاتنا وزراعتنا المحلية الداخلية.
الأمن الغذائي، والدعوة إليه، ليس وليد اليوم ولا مع الحكومات الحالية عندنا، بل هو وليد السبعينيات، إنما شاءت الأقدار أن تُقبر هذه الإستراتيجية بفعل تأثير لوبيات أنانية مصلحية داخلية مدفوعة من الخارج وبالذات من فرنسا التي لم يكن يستهويها ولا يدخل في مصلحتها ونفعها أن تستقلَّ الجزائر غذائيا فضلا عن استقلالها سياديًّا، وهذا ما جعل الانتكاسة في التنمية وفي إستراتيجية ضمان الأمن الغذائي تتراجع بعد منتصف الثمانينيات.
لقد وصلنا بداية التسعينيات وحتى نهايتها إلى مشارف الإفلاس وحافة عدم ضمان سلة المواطن، وهذا ما دفع إلى فتح المجال لاستيراد كل شيء من الكسكس إلى البطاطا إلى الإبرة إلى الماء المعدني.. كل ذلك من جيب خزينة الدولة وريع النفط وحده، مما راكم ديوننا وفوائدها الربوية علينا من عند صناديق الإقراض العالمية، ما أرغمنا بعدها على دفع كل الديون مع سعر الفائدة. خرجنا من عباءة الديون بشق الأنفس، وبدأنا اليوم في الحفاظ على التوازنات الماليات التي كانت من جديد تنحو نحو أزمة 1991، وهذا بفعل ترشيد النفقات والتقليل من حجم فاتورة الاستيراد وتشجيع الاستثمار والإنتاج المحلي وتصدير الفائض. ثمرة بدأت تأتي أكلها بعد سنتين، إن لم يكن أقل، بفعل ما أكلت الجائحة جزءا منه. عمل غير مسبوق وظرف زمني قياسي من أجل النهوض بالتنمية الشاملة، في الزراعة كما في الصناعة كما في الذكاء الاصطناعي، مما سيحقّق قفزة في الإنتاج قد يمتص جزءا من تأثير جائحة كورونا.. وقد يقلل مستقبلا من تداعيات حرب أوكرانيا.