قضية المس بوحدتنا الوطنية في مقرر المدرسة الاجنبية ليست وحدها القش الذي قصم ظهر البعير
طفت على السطح في الآونة الاخيرة قضية هزت اركان الجهات الوصية على التعليم في اقليم الجديدة ومعها الراي العام الجديدي بل الوطني في عدد من الجهات تتعلق بتدريس التلاميذ مقرر في مادة الاجتماعيات بخريطة المغرب مبتورة من صحرائه في احدى مدارس البعثة الفرنسية وهذا عمل مشين مرفوض وجب رفعه الى مستويات عليا لأنه يمس بوحدتنا الوطنية وقضيتنا العادلة التي ما فتئ صاحب الجلالة ان جعل منها شغل الشاغل لجميع المغاربة من سياسيين وعسكريين ومدنيين غير ان الامر في هده القضية التي تخص المدرسة المذكورة ما انطفأت بعد سحب ادارتها المقرر وتقديم الاعتذار وتحميل الاستاذة المسؤولية وهذا شانهم ولا نتعمق في مسرحيتهم اكثر حتى لا ننجر وراء متاهة قد لا تقودنا الى شيء لان وحدتنا الوطنية اكبر من ان تنحصر في مقرر لا يطلع عليه الا البعض من الذين يدرسون في هذه البعثات الاجنبية التي لا تخدع لأية مراقبة من طرف القيمين على الشأن التربوي .
فقضية وحدتنا الوطنية لن يستطع احد المساس بها ولكن قضية هويتنا الاسلامية وقضية اخلاقنا المغربية المحلية وقضية علاقة الابوة والابناء وقضية ثقافتنا والمعارف والقيم الوطنية والمجتمعية، والكثير من الامور التي لا محل لها من الاعراب في مثل هذه البعثات التي لا تكرس الا في تعزيز التمييز الطبقي بين المغاربة وفي هذا الصدد واتذكر يوما قرات في مجلة تيل كيل ان النائبة الفرنسية سامنتا كزبون، مد?رة سابقة لمدرسة فرنسية بالمغرب، رفعت ?وم 4 فبراير 2019 إلى رئيس الوزراء الفرنسي تقريرا وازنا عن مستقبل التعليم الفرنسي في الخارج. و ?قدم هذا التقرير توصيات تهدف إلى "إدخال دينامية جديدة في التعليم الفرنسي في الخارج" و ?علن أن شبكة التعليم الفرنسية في الخارج "في خدمة فرنسا والشعب الفرنسي، ال?وم وغدا"وهذا اعلان صريح ان البعثات الفرنسية في المغرب تعزز مكانة فرنسا في المغرب وليس العكس ومن هذا المنطلق نتساءل حول شرعية نظام تعليمي ?ُكوِّن طبقة اجتماعية تتباعد ق?مها عن مصالح المغرب؟ خاصة اذا ما علمنا ان اصل التعليم الفرنسي في المغرب والدول الاخرى المغاربية والذي ينبثق من عبارة " البعثة الفرنسية " التي تذكرنا بعبارة "البعثة الحضارية الفرنسية" (Mission civilisatrice française)، التي كانت بمثابة الأساس الإيديولوجي للتوسع الاستعماري الفرنسي وكان جول ف?ري (Jules Ferry) لخص مبادئ هذه الأ?د?ولوج?ة في خطاب مشهور سنة 1885: "للأجناس السامية حق بخصوص الأجناس البدائ?ة ... لأن لها واجب ألا وهو واجب تحضير هذه الأجناس البدائ?ة". كان التعليم البعثي في ذلك الس?اق أداة للواجب الحضاري، والذي هو في حد ذاته مقابِلا للحق اقتصادي: السيطرة على الموارد الأساسية في الأراضي المستعمرة وإنشاء منافذ اقتصادية جديدة. قد يكون هذا الطرح غير مطروح في يومنا هذا من الناحية التوسعية الاستعمارية لان المغرب اصبح قويا لا يستهان به تحت قيادة صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله لكن المنهج التثقيفي في هذه المدارس ?ؤدي إلى اغتراب ثقافي للتلاميذ المغاربة الذ?ن ?ع?شون في أرض بلادهم. ناهيك عن بعدهم الديني فهم لا يطلعون عن القران وعن مناهج الحديث حيث ?عتبر قراءة القران وإتقان اللغة العربية الفصحى في هذه المؤسسات بمثابة الشيء الشبه المستحيل لكن حسب حمزة ابن البش?ر السبتي طالب بكل?ة هارفارد للحقوق اشار في تحليله لاحد المجلات انه عقدت اتفاقية سنة 2000 حول تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية في المغرب، بهدف إجبار المؤسسات التعليمية الفرنسية على توفير تدريس "اللغة والثقافة العربية" للتلاميذ المغاربة. لكن هذا الاتفاق لم ?حقق مبتغاه تماًما. إذ ?سود نوع من الأم?ة، عندما ?تعلق الأمر بالعربية الفصحى: فالكثير من التلاميذ لا ?ج?دون قراءة وكتابة اللغة التي ?عتبرها الدستور المغربي لغة رسمية للدولة. هناك بالطبع استثناءات: ?سمح للتلاميذ بالاستفادة من برنامج اخت?اري (Option internationale ou Bac) ?كرس ساعات أكثر لتعليم اللغة العربية ولدروس التاريخ والجغرافيا باللغة العربية، مع مز?د من الانفتاح على تأريخ المغرب. ومع ذلك، فهذه ل?ست للأسف سوى استثناءات: هذا البرنامج لا ?ختاره عموما إلا التلاميذ الذ?ن لا ينضمون إلى التعليم الفرنسي إلا في مرحلة متأخرة نسب?ا (المستوى الإعدادي أو الثانوي)، وبالتالي لهم معرفة سابقة بقواعد النحو في اللغة العربية الفصحى.
هذا الاقتلاع الثقافي ?تجاوز اللغة. إنه ?ؤثر على جم?ع جوانب الترب?ة: مع بعض التعد?لات الهامشية، فإن المناهج الدراسية هي تلك التي ?تم تدر?سها في المدارس العمومية في فرنسا. ?عرف التلاميذ المغاربة في هذه المؤسسات ح?اة لو?س الرابع عشر أحسن مما ?عرفون ح?اة مولاي إسماعيل، وفهمهم لجغرافية فرنسا وأوروبا أفضل من فهمهم لجغرافية المغرب وأفر?ق?ا، أي جغرافية بلادهم وقارتهم.
فهل اولياء امور هؤلاء التلاميذ يعلمون ان ولوج ابنائهم الى هذه البعثات سيؤثر على احساسهم بالانتماء إلى الوطن وتبقى حالة الطفلة زرياب استثناء لأنها من عائلة وطنية ذات تاريخ نضالي .
وخلاصة لكل هذا فان التعليم في البعثات الاجنبية اضافة الى تجريد التلاميذ من قيمهم الاسلامية والوطنية فهي تعزز الطبقية الاجتماعية من خلال اتباع المنطق الم?رت?وقراطي الفرنسي الذي يعتمد على إعادة الإنتاج الاجتماعي وهذا يتجلى في الرسوم الدراس?ة الباهظة الثمن. ?مكن أن تصل إلي 64.000 دراهم سنو?ا، أو أكثر من 7.000 درهم شهر?ا، في ح?ن أن الحد الأدنى للأجور في المغرب لا ?تجاوز 2.600 دراهم شهر?ا مما يجعل معظم المغاربة يعتبرون أن هذه العائلات متميزة جدا.
وهذا امر خطير يجب على الجهات العليا الوصية على التعليم مراجعة هذه القيم بتبني اسلوب جديد في التعامل مع هذه البعثات اقلها مراقبة ما يروج داخل هذه الاسوار وتشجيع العائلات على الاستعانة بالتعليم العمومي والخصوصي المغربي عبر تدعيم المنظومة التعليمية المغربية بمناهج تربوية تنسجم مع إيديولوجيات العصر وتخصصات تؤدي الى بلورة كفاءة التلاميذ لمواكبة سوق الشغل ونحن هنا لا نلوم العائلات ميسورة الحال لانهم من حقهم ضمان مستقبل ابنائهم في ظل هذه المنظومة التعليمية المغربية المصنفة عالميا حسب تقرير اليونيسكو سنة 2018 في المرتبة 129 في حين التعليم الجزائري والتونسي في المرتبة 93 و90 على التوالي وهذا عامل اساسي يشجعنا ان نذكر الجهات العليا ان العلة في منظومتنا التعليمية التي تركت فراغا كبيرا لتستحوذ عليه منظومة الاجانب في مجال التعليم في المغرب .