زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية لتونس وما أعقبها من توقيع لـ27 اتفاقية تعاون وتكامل تنموي بين البلدين، يعكس الرغبة الجزائرية الجديدة في تغيير النهج المتَّبع سلفا وفي طريقة التعاطي مع التنمية بين بلدان المغرب العربي. عنوان هذا الرحلة التي سبقتها رحلة حكومية معززة بعدة قطاعات ذات أولوية في تعزيز التعاون الاسترتيجي بين البلدين الجارين والشقيقين، يتمثل فيما سمي بـ”إعلان قرطاج”، وهي الصيغة المستقبلية في التعاون والتكامل الشامل بين البلدين، تمهيدا لتوسيع هذه الصيغة مستقبلا مع ليبيا عندما يستتب الأمر فيها. لهذا، كانت ليبيا حاضرة في خضم المناقشات والتوافقات بين الرئيسين، بقدر ما كانت فلسطين حاضرة والقمة العربية المرتقبة في الجزائر حاضرة: رؤية شاملة لحلحلة المشاكل التي تمنع وتعيق التكامل الاقتصادي الاقليمي والعربي.
واضحٌ الآن أن توجّه الجزائرية نحو الشرق، ليس استدارة مفاجِئة، بل عملٌ مفكَّرٌ فيه سلفا لتعزيز الاقتصاد الوطني والحدودي بين الجزائر وباقي جيرانها أولا، ثم تعزيز التنمية الشاملة في الداخل وبين الأشقاء والجيران، إذ أن هذه الاستراتيجية تتماشى تماما مع الرغبة الجزائرية في الاستقلالية والسيادة الاقتصادية والسياسية التي تعمل على تكريسها وتعزيزها في زمن عاد التكتل والتجمع على جميع الأصعدة أكثر من ضروري، بل واجبا ملحّا في ظل الهجمة الشرسة على مقدرات شعوبنا العربية والإفريقية من طرف القوى العظمى، خاصة تلك التي تحنُّ إلى البقاء في مستعمراتها القديمة مستغلّة قلة التنمية وسوء الأوضاع الأمنية والإقتصادية.
الإنزال الحكومي الذي سبق الزيارة الرئاسية بتونس عشية ذكرى الثورة التونسية وعشية تأهّل منتخبي البلدين للتنافس على كأس العرب في قطر، والذي سيكون من نصيب الفائز اليوم في لقاء القمّة، له أكثر من مغزى ودلالة: دلالة تاريخية تعكس أواصر العلاقات وروابط الدم والتراب والمصير المشترك بالأمس واليوم وغدا؛ فكما كان الشعب الواحد في البلدين، يتقاسم المعاناة على يد المحتل “الحامي” لمصالحه، والراعي لرعاياه، سواء في ساقية سيدي يوسف أو في غار الدماء، كانت ليبيا الجارة الشرقية هي الأخرى تسند الثورة بكل ما أوتيت من قوة عبر مسافة طويلة تمتد من شرق ليبيا إلى غربها إلى جنوبها، بدءا من حدودها مع مصر وموانئها على المتوسط. لهذا، لم تغب ليبيا من المحادثات الجزائر التونسية في لقاء القمة، التي كان عنوانها الأبرز: الحل في ليبيا لابد أن يكون ليبيًّا – ليبيًّا: ليبيا موحدة، حرة، مستقرة، بلا تدخل خارجي ولا ميليشيات ولا ضغوط. من شأن هذا أن يعزز أكثر التكامل والتكتل الإقليمي الجديد الذي سينشأ بهذه المنطقة تماما كما سينشأ تكتُّلٌ تكاملي في الجنوب الغربي بين الجزائر من جهة وموريتانيا والصحراء الغربية مستقبلا وبين مالي والنيجر. هذا التكتّل سينجم عنه انفتاحٌ شامل باتجاه العمق الإفريقي، مما سيساعد على تنمية هذه البلدان في كل المجالات، لاسيما في مجال الطاقة الكهربائية التي لا يزال نحو 600 مليون إفريقي يفتقدونها مثلها مثل الغاز وشبكة النقل والطرقات والاتصالات بين بلدان الجنوب فيما بينها وأيضا مع الشمال. من شأن هذه الاستراتيجية أن تعجِّل بتخفيف المعاناة لدى الشعوب الإفريقية وتسرّع وتيرة التنمية بما يسمح بالتعافي الاقتصادي وكبح أسباب الهجرة والمتاجرة بالبشر والتهريب والإرهاب وعدم الاستقرار السياسي.
عملٌ على جميع الأصعدة متوقعٌ أن تعمل ضمنه ولأجله الجزائر بمعيّة الأشقاء الذين يتقاسمون معنا بُعد النظر والرغبة في الانتقال إلى فضاء أرحب من التنمية القارية جنوبا وشمالا.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.