في عام 1973 كنت أُؤدِي واجبي في الخدمة الوطنية في المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بمدينة شرشال. وفي أحد الأيام من ذلك العام كان في برنامجنا أن نشاهد شريطا لمناورة عسكرية بالذخيرة الحية، تقوم بها فِرَقٌ من “حلف وارسو” غريم “الحلف الأطلسي”.
لقد رأينا في تلك المناورة من التجهيزات والآليات والأسلحة التقليدية وغير التقليدية ما جعلنا نحسّ أن قلوبنا تكاد تقفز من صدورنا، وخُيّلَ إلينا أننا رأينا الموت ونحن ننظر.
في نهاية الشريط وقف أحدُ الضباط، وهو الملازم أوّل (عقيد فيما بعد) المجاهد محمد رمضاني فعلَّق على بعض ما جاء في ذلك الشريط، وختم تعليقه بقوله: “إن ما شاهدناه شيء مُرعِب وما هو بالهزل”، وهو أمرٌ تَحَارُ فيه عقولُ ذوي العقول، خاصة تلك الأسلحة الالكترونية التي “تدرك الإنسان أينما يكن”؛ ولكن عليكم أن لا تنسوا أمرا أهم، وهو أنَّ المتحكّمَ في هذه الآليات العملاقة، والتجهيزات الدقيقة، المستعمِل لهذه الأسلحة الفتاكة هو “إنسان” والإنسان – مهما يتغير الزمان – هو الإنسان من عصر الحجر إلى هذا العصر، تعتريه – مهما يكن علمه، وبأسُه، وذكاؤه – نقائص، فهو ضعيف، جهول، هلوع… فعلى عدوِّه أن لا ينهزم، ولا ييأس، وما عليه إلا أن يستغل نقاط الضعف البشري لصالحه، ولْيَسْتَيْقِنْ أنه عنده ما عند عدوه أو أكثر، خاصة إن كان صاحب حق.
عدتُ بذاكرتي إلى تلك الأيام الزواهر – رغم فُولها وعدسها – وأنا أتابع ما يقال عن تلك العملية النوعية البطولية التي قام بها ستة شبان مجاهدين من أولي العزم العتيد والبأس الشديد من إخوتنا الفلسطينيين الأسرى في سجن جلبوع الصهيوني الرهيب بتجهيزاته الالكترونية، وحراسه “القساة الغلاظ الشِّداد”، وأسواره، إذ استطاعوا أن يقهروا كل ذلك، وأن يخرجوا من ذلك السجن، ولم يستعملوا إلا عقولهم الجبارة، و”ملعقة ألُومِنْيُومِية”، وإرادتهم الغلابة، فَأَبْدَوا سَوْأَةَ العدو الصهيوني الذي يزعم بـ”تَرْسَانته” الإعلامية والدعائية أنه “لم يُخلَق مثله” في العالم؛ كما عَرَّى هؤلاء المجاهدون الستة سوأة أكثر الحكام “العرب” الذين يؤمنون بقوة إسرائيل أكثر مما يؤمنون بقوة عزرائيل.
لقد ضرب الله –عزّ وجل– بهذا المثل، وهو لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها، لهؤلاء “الخشب المسندة” من أغلب “حكام” العرب، وبعض “كبار” ضبَّاطهم أن هؤلاء الصهاينة هم أحفاد أولئك الأشد حِرْصًا على حياة، ولا يقاتلون إلا في قُرًى محصّنة، أو من وراء جُدُرٍ..
إن يفعل هؤلاء الفتية المجاهدون ما فعلوه في 06/09/2021 في فلسطين الصامدة، فقد فعل إخوة لهم من قبل مثل ذلك في 11/11/1955 في سجن “الكُدْية” بقسنطينة، حيث تحدوا ذلك السجن الرهيب بأظافرهم و”قابْسَة شمة”، وأحدثوا “نَقبًا”، واستغفلوا الحراس، وخرجوا ليواصلوا جهادهم من أجل الدين، والعرض، والأرض، وكان قائدهم هو المجاهد الشهيد الرمز “سي مصطفى ابن بو العيد”. فرحم الله الشهداء السابقين، ومن يلحقهم بإحسان إلى يوم الدين.
وصبرًا يا أهل فلسطين فإن مَوْعِدَكم النّصْرُ، -وما هو ببعيد- ذلك وَعْدُ الله، ولن يخلف الله وعده ما دمتم مؤمنين.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.