ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان!
ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان!
هذه كلمة خالدة للإمام عبد الحميد بن باديس، رمز بها إلى الوحدة الواحدة، وإلى الأمة الواحدة، وإلى الوطن الواحد، وإلى جغرافية واحدة، وتاريخ واحد، يقوم على هذه الجغرافيا.
إنّ هذه الهبّة الشاملة من مختلف أرجاء الوطن هبة الشباب وغيرهم لنجدة المنطقة التي شبت فيها النيران، كبرهان جديد، على تماسك هذه الوحدة وقوة أصولها، وشدة أواصرها، خاب كل من أرادها بسوء، أو يبيّت لها مؤامرة داخلية، أو خارجية، امتزجت دماء سكانها في عروقهم، وسقوا أرضها بدماء الشهداء، فهذا مصطفى بن بوالعيد من الأوراس الأشم، وهذا عميروش من جبال جرجرة الشامخ، وهذا لطفي من الغرب، وهؤلاء الطوارق أسود الجنوب، دافعوا عن هذه البلاد الواحدة وحرروها معا.
إني اندهشت من موقف هذا الرجل المكلوم بحرق ابنه، كيف قطع الطريق عن الفتنة، ونطق بالحكمة، حكمة الوحدة الوطنية، ولم يطلب إلا جثة ابنه الشهيد في سبيل نجدة إخوانه في تلك الغابات المحترقة، والأدغال المشتعلة، ولكن يد الغدر والوحشية، والخيانة، وسوء التقدير امتدت إليه فعذّبته، وقتلته، ولم تكف تلك الجريمة فأحرقوه بالنيران، فهل لهؤلاء المجرمين قلوب بشرية؟ لم يطلب والده انتقاما ولا أخذا بثأر، إنه الصبر بعينه، لقد اعترف هؤلاء أنهم ينتمون إلى تلك الحركة الانفصالية، الخائنة للوطن، المتعاملة مع الصهاينة وأعدائنا القدماء من الفرنسيين الاستعماريين.
تلك الحركة يدل اسمها على إجرامها: MAC أي «Mouvement Armé Kabile» «الحركة المسلحة القبائلية»، إنهم شوهوا سمعة هذه المنطقة من الوطن، ومسّوا شرفها وهي منطقة الدين والجهاد، والدفاع عن الوطن طوال التاريخ ولا يؤيد هذه الحركة ولا يدعمها إلاّ من شذّ من بعض الأفراد المغرورين عن جهل بأغراض هذه الفئة الضالة، التي خربت ضمائرها وفسدت مسالكها وباعت أنفسها للعدو، وأصبحت ذيلا من ذيوله يأمرها فتطيعه، وتنفّد أوامره لإحداث ثغرة في وحدة الوطن، ولكن هيهات هيهات!!
إنّ وطننا «يَقّورْ» عليهم صلب، لا يخترق ولا ينثلم، له حراسه، وأسوده، وجيشه، بل شعبه كله. إنه بالمرصاد لكل عداوة، وكيد.
?إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً?الطارق/15-17.
هؤلاء كفروا بنعمة الله، وجحدوا حرمة وطنهم، وشرفه، وانساقوا ذيولا لعدونا.
?وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ?الشعراء/227.
إنّ الإسلام عروتنا التي لا انفصام لها، والجامع الأكبر بين عناصر الأمة الإسلامية بمختلف أعراقهم ولغاتهم، وثقافتهم في هذا العالم، وما الجزائر إلا متمسكة بهذا الجامع الأعظم، والعروة الوثقى لا تفرقنا لغة، ولا عرق، ولا ثقافة، خاصة، إنه تنوع في إطار الوحدة، ووحدة بين عناصرها، لكن لا يكفي أن ننادي بالوحدة مطمئنين، فاليقظة مطلوبة، وتربية الشباب ضرورة، والحسم وعدم التساهل مع كل من تسول له نفسه اختراق هذه الوحدة أو المساس بها، فطالما سكتت دولتنا وتساهلت حتى ظن هؤلاء أنها ضعيفة وخائفة لا تقطع حبل متمرد، ولا تراعي الردع بالقانون والعدل، فكلما طُلب طلب استجيب له، ولنا في تجربة «العروش» عبرة وأخذ أعياد وثنية فلكلورية أعيادا رسمية، فنحن لسنا ضد هذه ولكن أن تجعل سبيلا للتفرقة والتميز، والغلو، فإن ذلك فتح لباب التفرق، سواء باسم اللغة أو الثقافة أو الفلكلور، كأن الثقافة عندنا هي الفلكلور.
إنّ تربية أبنائنا تربية إسلامية أخلاقية وطنية، هو السبيل الحقيقي للحفاظ على هذه الوحدة الواحدة عبر العصور، يحفظ الله هذه الوحدة من كل سوء.