رثاء في حق فقيدنا الدكتور ابراهيم الحجري من طرف زميلنا عبدالله مرجاني
إلى أخي وتوأم روحي الأديب الدكتور ابراهيم الحجري الذي لن تغيب صورته عن مخلتي وقلبي على مدى السنين والأعوام .
إني لم أتمالك نفسي يا صديقي حين اتصل بي الأخ حسن فاتح ليزف لي الخبر الفاجعة ، فلم تكف دموعي عن الهطول حتى تبللت خذي .لأني لم أصدق هول ما سمعت ولم أتقبل فاجعة الغياب الأبدي ، وأنا الذي كنت أراك وأجالسك مرتين في اليوم، لقد كان الخبر صاعقة أوقفت كل تفكيري ورمى بي في يم من الحزن والألم لفقدان عزيز اجتمع فيه من الصفات والشيم ما تفرق في غيره .
ها أنت تغادرنا اليوم يا صديقي وتوأم روحي دون وداع ، ها أنت تركت القلب مجروحا ،ورحلت في صمت .
غاب عنا اليوم الدكتور ابراهيم الحجري ، لكن لن تغيب عنا أخلاقه الكريمة وأعماله الابداعية القيمة، التي ستظل علما تنتفع به الأجيال وصدقة جارية تعود على روحه بالرحمة والمغفرة .
لم نفقد روحك الطيبة وتواضعك الكبير وأخلاقك الكريمة.. هي باقية فينا.. لن تموت أبدا.. إنها إنسانيتك التي رسختها في مؤلفاتك.. لكن الساحة الثقافية المغربية اليوم تفقد أديبا أصر على هزيمة ظروفه الاجتماعية هزيمة اليأس و الفراغ والكسل المعرفي ، فأنت الكاتب الذي هزم كل ذلك وغيره.. لكن مرضا مفاجئا هزم صمودك ونضالك الطويل في درب الكلمة الهادفة، مرض غامض عجل برحيل رجل المبادئ والقيم النبيلة .
لقد ساد الصمت وعم الحزن أرجاء بيتي المتواضع ، وتهاطلت علي المكالمات من كل حذب وصوب لتقديم العزاء في فقدان صديق عزيز لم نفترق طيلة ثلاثة عقود من الزمن .
يا صديقي ، لما جفت دموعي وبح صوتي هرعت لألبوم صور لأتفحصها ، لعلها تخفف حدة الوجع والألم في فقد عزيز لن يجود الزمان بمثله ، رجل مثقف ومبدع غزيز الإنتاج، ، فقد كنت ذاك الإنسان الوديع الذي لا تفارق الآبتسامة محياه.
لقد خطفك الموت حبيبي الحجري ابراهيم وأنت في أوج عطائك الإبداعي والعلمي الأكاديمي ، وكانت أحلامك وطموحاتك تكبر يوما بعد يوم ، غادرت هذه الدنيا قبل ميعاد اجتياز مباراة التعليم الجامعي بأربعة أيام، إذ كنت تنوي التدريس بجامعة أبي شعيب الدكالي .
يا أخي سيسجل التاريخ أنك عشت شامخاً كالبنيان، متواضعا وخلوقا ولم تخسر الرهان، حين فزت بجوائز أدبية قيمة كانت المنافسة فيها محتدمة بين جهابدة الفكر عربيا ومغربيا ، متسلحا بمقولتك الشهير "المسابقات لا تصنع كتابا بل تحرض من لا يكتب على الكتابة"
يشهد الداني والقاصي أنك لم تكن تكتب تحت الطلب ، وكنت دوما تدافع عن مبادئك بثقة وإيمان لا يفتر ، كما كنت في ردودك حليم صبور، فلم تجرح مشاعر غيرك ، بل كنت تنحت أفكاركَ بكل أدب وسلوك وقور، فترسل بدل سهام النقد والكره والنفور، باقات محبة وتواصل وحبور، بين ثناياها عطور، فزرعت من التسامح بذور، وقدمت فيض من العطاء ، كالشجرة المثمرة ترمى بالأحجار فتعطي أطيب الثمار.
قد تركت لنا يا أخي الحجري إرثا علميا رائعا تجاوز العشرين مؤلفا، تنوعت بين رواية وقصة ودراسات نقدية . كانت كتبك وستظل علامات مضيئة، وشموع تنير وجه الثقافة المغربية التي كبلها الواقع المرّ في وطن يعيش على أيقاع اامتناقضات
متنك السردي يا عزيزي لا يشبه أي سرد كما هو صمتك الأخّاذ وكما هي روحك الهائمة بحثا عن جديد وممتع. كانت لغتك الباذخة المختصرة والسلسة تنفذ إلى الأعماق ورسائلك المشفرة تصيب الهدف .
لم تبخل يوما في مد يد العون لمن يشقون طريقهم في مجال الإبداع ، وأعرف جيدا أنك ساعدت كتّابا وشعراء معروفين أو مغمورين، لتخرج كتبهم للنور وهي سليمة غير معاقة بلغة أو معنى. دققتها أنت على كثرتها وأصلحتها خدمة للثقافة ودون مقابل، وأنا واحد من هؤلاء ممن أغدقت عليهم بكرمك المغرفي .
أنا لن أنساك أخي إبراهيم الحجري مهما حييت لدماثة أخلاقه وكرمه الفكري الذي لا يضاهيك فيه أحد ، وسهرك الدائم من منطلق مهمته كمؤطر تربوي في تكوين أساتذة تكوينا يساهم في بناء حضارة المغرب في الآتجاه السليم والنافع .
ستفتقدك الساحة الثقافية المغربية والعربية أيها الأديب الكبير ، أيها الفارس الهمام، فموتك خسارة كبرى ورزء ثقيل ،وفقد لقيم التسامح والتواضع والسلام، التي لطالما طالبت بها ودافعت عنها ، وكان لقلمك فيها سبق .
وليس بوسعنا إلا الرضوخ لقضاء الله ، وأن نتضرع إلى الخالق المنان، أن يسكنك فسيح الجنان ، ويلهم عائلتَك وأبناءك المفجوعين برحيلك الصبر وينعم عليهم من ذكراك السلوان، ويعمق في قلوبهم نور الإيمان، ليتحملوا بعد غيابك، مرارة الفراق وغدر لص الزمان الذي إقتحم داركم بلا إستإذان ودون وداع .
فوداعا يامن لم تفارق صورته مخيلتي ، وستظل ماثلة أمام عيني بحسنِ محياك وابتسامتك البريئة ، فنم يا أبا هديل قريرَ العين في الفردوس االأعلى ، يا أعز صديق وأفضل الرجال.
* عبدالله مرجان صديق العمر للراحل .