الأمير عبد القادر وفصل جديد من التطاول على الأبطال العظام
الأمير عبد القادر وفصل جديد من التطاول على الأبطال العظام
فصل جديد ومقرف في مسلسل تدنيس التاريخ الوطني وإتاحة الفرصة للتافهين للتطاول على الأبطال العظام تم عرضه في حصة لقناة تلفزيونية خاصة سهرة الخميس 17 جوان الجاري 2021.
سيل من الأكاذيب والشتائم والتهم أطلقها ضيف القناة ضد مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري وعائلته وأحفاده، وضد رائد الحركة الاستقلالية الجزائرية الراحل مصالي الحاج، وبطل الثورة المسلحة وقائد مسيرة التنمية الوطنية الرئيس الراحل هواري بومدين.
لم يتورع نور الدين آيت حمودة في حواره مع قناة (الحياة) عن اتهام بطل المقاومة الشعبية الجزائرية الأمير عبد القادر الذي حارب المحتل الفرنسي طوال 17 سنة كاملة بالعمالة للمحتل الفرنسي وخيانة المقاومة، واتهم الأمير عبد القادر بأنه انتقل من القتال مع الجزائريين ضد فرنسا إلى القتال مع الفرنسيين وقال: «إن عبد القادر باع الجزائر لفرنسا» ووصل به الحد في تهجمه الظالم وتطاوله الأحمق على الأمير عبد القادر إلى حدّ المطالبة بإخراج جثمانه من مقبرة الشهداء بالعالية، التي تضم رفاة أبطال الجزائر من فرسان المقاومة الوطنية وشهداء الثورة التحريرية المجيدة، وفي هذا الصدد قال رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم: «اتهام الرمز الوطني الجزائري الأمير عبد القادر بالخيانة، وهو الذي حمل السلاح 17 سنة من أجل كلمة الله والوطن، لا يقوله عاقل، ولا يصدر إلا عن شخص فقد الحد الأدنى من الصواب والوطنية والأخلاق». كما وصف آيت حمودة الزعيم مصالي الحاج بالخائن ووصف الرئيس الراحل هواري بومدين بالخبيث، هذا الخطاب الحاقد المليء بالكراهية والتدليس والكذب أثار غضبا عارما في مواقع التواصل الاجتماعي وإدانة صارمة في الأوساط الشعبية والرسمية.
على إثر هذه التصريحات المسيئة لرموز وأبطال الجزائر سارعت مجموعة من المحامين والمثقفين والسياسيين الجزائريين إلى رفع دعوى قضائية ضد المدعو نور الدين آيت حمودة، كما دعمت الدعوى رئيسة مؤسسة الأمير عبد القادر عتيقة بوطالب، ومن جهتها أعلنت وزارة المجاهدين وذوي الحقوق يوم الاثنين، 21 جوان الجاري أنها تأسست كطرف مدني في قضية التهجم على رموز الدولة التاريخيين مؤكدة أنها «لن تتوانى في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد كل من يتجرأ على رموز تاريخنا الوطني ومآثرنا المجيدة لاسيما من خلال التأسيس كطرف مدني في الدعاوى القضائية المرفوعة في هذا الشأن».
كما تسبب هذا الحوار المشؤوم في تعليق رخصة البث للقناة لمدة أسبوع من طرف وزارة الاتصال بطلب من سلطة ضبط السمعي البصري مع توجيه إنذار للقناة ومديرها هابت حناشي.
نور الدين آيت حمودة الذي طالما اتكأ على حصانته البرلمانية خلال عضويته في المجلس الشعبي الوطني نائبا عن حزب الأرسيدي (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطي) لترويج خطاب الفتنة والتفرقة الجهوية سبق له أن اتهم رائد النهضة الجزائرية الحديثة الإمام عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء المسلمين بالعمالة للاستعمار، واتهم الشيخ ابن باديس بالكذب لأنه رغم كونه بربريا قال إن الإسلام عربنا كما اتهمه بتحريف بيان أول نوفمبر بإضافة البسملة عليه.
ورغم الردود العلمية والتاريخية التي صدرت من علماء ومؤرخين جزائريين لمحاولة تصويب المغالطات التاريخية والآراء الجاهلة والمضللة التي صدرت عن المدعو نور الدين آيت حمودة، إلا أن حبه للظهور الإعلامي ورعونته الفكرية جعلته يصر على التوغل في الخطأ ومواصلة نهجه الاستفزازي في تناول قضايا التاريخ الوطني.
ومن بين ادعاءات نور الدين آيت حمودة في حواره مع قناة (الحياة) قوله إن الجمهورية الفرنسية لا تزال تدفع لحد اليوم رواتب لعائلة الأمير عبد القادر وأحفاده، نظير خدماته للدولة الفرنسية، وهو الأمر الذي فنده بشكل قاطع، جعفر الحسني الجزائري حفيد الأمير عبد القادر عند تدخله في قناة (الشروق) نافيا أن يكون هو أو أحد أفراد عائلة الأمير الأحياء قد تلقوا أو يتلقون فرنكا واحدا من الدولة الفرنسية، ومؤكدا عزمه على مقاضاة نور الدين آيت حمودة على هذا الادعاء، رغم أن هذا الأخير يؤكد أن كل الأدلة التي تؤيد ما قاله موجودة في الأرشيف الفرنسي .
للتذكير فقد سبق لبعض الفاعلين التاريخيين والمؤرخين الجزائريين أن حذروا مما تحتويه بعض وثائق الأرشيف الفرنسي من تدليس وتلاعب بالحقائق التاريخية تم تلفيقها من طرف مصالح المخابرات الفرنسية ودسها كقنابل موقوتة في وثائق الأرشيف المتعلق بالاحتلال الفرنسي، وحرب تحرير الجزائر لإبقاء بذور الفتنة والتشكيك والتفريق والتخوين مزروعة في ثنايا التاريخ الوطني الحديث وتمكين أعداء الوحدة الوطنية من تفجير تلك القنابل الموقوتة في السياقات والظروف المناسبة.
إن حجم الغضب والاستنكار والقرف الذي أثارتها تصريحات نور الدين آيت حمودة في مختلف الأوساط الجزائرية أثبت أن غالبية الجزائريين متمسكون بوحدتهم الوطنية والدينية، وواعون بأمجاد تاريخهم، وفخورون ومقدرون لتضحيات أبطالهم ورموزهم الوطنية ومآثر شهدائهم في مختلف مراحل نضالهم الوطني وجهادهم التاريخي.
غير أن نور الدين آيت حمودة رغم تصريحاته الجارحة والصادمة، لا يعتبر هو الأول أو الأخير الذي سقط في وحل محاولة الإساءة والتطاول على القائد، المجاهد، العابد ،العالم، الشاعر، الأمير عبد القادر الجزائري الذي طالما كان هدفا للكثير من الافتراءات والأباطيل، ولم يسلم من تهم الخيانة للمقاومة الوطنية وتقديم مصلحته الشخصية والانتماء إلى الماسونية، رغم أنه رفض عرض حاكم فرنسا الإمبراطور نابليون الثالث لجعله ملكا على الجزائر، وقال عن نفسه:« لو جمعت فرنسا سائر أموالها وخيرتني بين أن أكون ملكا عبدا أو أن أكون حرا فقيرا معدما، لاخترت أن أكون حراً فقيرا». وقد أورد المؤرخ الليبي الدكتور علي الصلابي نصا تاريخيا مهما جاء فيه: « رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ويليام كلادستون الذي حكم بريطانيا بين 1868-1874 (وعرف بأنه أخبث وأمكر رئيس وزراء بريطاني بعد هاميلتون)، يقول: حاولت بكلّ ما أملك أن أقنع الأمير السيد عبد القادر الجزائري بمنصب إمبراطور العرب لكي نوظفه ونستغله ضد العثمانيين، وبالرغم من العداء الشديد الذي كان بينه وبين الأتراك فإنّني لم أفلح بالرغم من كلّ الإغراءات والوعود والمزايا التي وضعتها فوق الطاولة للأمير بما فيها استقلال الجزائر وخروج المحتل الفرنسي من الجزائر، لكنه كان يرفض ذلك جملة وتفصيلا ومن دون نقاش…».
وتبقى المحاولة البائسة لنور الدين آيت حمودة لتشويه الرمز التاريخي الجزائري والإنساني الشامخ الأمير عبد القادر أشبه بمحاولة الوعل الأحمق الذي حاول تحطيم الصخرة بقرنه كما وصفه الشاعر الأعشى بقوله:
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل