لم يكد يمرّ أسبوع على حادثة هلاك ما لا يقلّ عن 45 صهيونيا في التدافع الذي شهدته احتفالاتٌ أقيمت في جبل “لاك بعومر” في الأراضي المحتلّة، حتّى أقدمت قوات الاحتلال الصّهيونيّ، مساء الجمعة الماضية في العشر الأواخر من الشّهر الفضيل، على محاصرة حوالي ثلاثة آلاف فلسطينيّ في المصلّى القبليّ للمسجد الأقصى، وتمادت في غيّها محاولةً إخراجهم بالقوة، ما أدّى إلى سقوط ما لا يقلّ عن 200 مصاب، إصابات بعضهم خطرة!
الغريب في أمر بعض من ندّدوا بمحاولة الصّهاينة اقتحام المسجد الأقصى في ساعات الإفطار من الجمعة الأخيرة من رمضان، جمعة النّصرة، كانوا قبل أيام يترحّمون على الصّهاينة الذي سقطوا في حادثة التدافع، ويبعثون بأحرّ التعازي إلى حكومة الاحتلال التي أبت إلا أن تكافئهم شرا على تعاطفهم وتضامنهم، فتدخّلت في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية لدعم المستوطنين الذين يحاولون تهجير الفلسطينيين من الحيّ، ولم تكتفِ بذلك حتّى طوّقت المسجد الأقصى لتخرج المصلّين بالقوة!
الصّهاينة لا يفهمون اللغة “الإنسانية” التي يُفذلك بها بعض السّاسة والعلمانيين، ولا تعنيهم أبدا محاولة إحراجهم أمام العالم، فهم يؤمنون بمنطق القوة، وينطلقون من عقيدة دينية ودعاوى يرونها حقا، لفرض الأمر الواقع، ووحدهم المرابطون في المسجد الأقصى وفي حيّ الشّيخ جرّاح، وفي القدس وفلسطين عامّة، من يفهمون منطق العدوّ المحتلّ، ويحملون يقينا بأنّ الإصرار يواجه بالإصرار، مهما كانت التّضحيات ومهما بلغ الخذلان العربيّ والإسلاميّ والعالميّ.
العدوّ المغتصب ينظر إلى الآخر على أنّه مخلوق زائد لا يستحقّ الحياة ولا يُصلحه غير القوة! لذلك من الطّبيعيّ أن يضحك ملء شدقيه من بيانات التنديد التي يصدرها أولئك الذين يتطلّعون بشغف لأن يشرّفهم الصّهيونيّ بالجلوس معهم حول طاولة مفاوضاتٍ يرمي أوراقَها في أوّل سلّة تعترضه! لأنّه قد خبر معادنهم، ومنهم من ورّطهم العدوّ في قضايا أخلاقية يبتزّهم بها ويضمن تجنيدهم لخدمة مشروعه.. ومثلهم أولئك الذين يريدون مواجهة غطرسة الاحتلال الصّهيونيّ بمنطق “من ضرب خدّك الأيمن فأدر له الأيسر”، وبسياسة “أرجوك اعترف بي وأعطني حقي”؛ فهم يعلمون جيّدا أنّ هذا المنطق لا ينفع مع الصّهاينة، لكنّهم يأبون إلا الاستمرار فيه وكأنّهم يؤدّون دورا محدّدا رُسم لهم سلفا، لا يحيدون عنه! لا تجني الأمّة منه غير منح مزيد من الوقت للمحتل ليمضي قدما في إنفاذ سياسته الاستيطانية وفي تغيير التركيبة السكانية للقدس وفلسطين.
وحدهنّ المقدسيات العفيفات المرابطات، ووحدهم المرابطون الذين يفدون الأقصى بأرواحهم ودمائهم، مع إخوانهم المقاومين في غزّة، من يُربكون العدوّ، بإصرارهم وشدّتهم واستعدادهم لتقديم الغالي والنّفيس فداء للأقصى والقدس وفلسطين، وهم وحدهم من يرفعون هامات المسلمين عاليا، وهم من يمثّلون معدن رجال ونساء الأمّة ويمثّلون تاريخها ومبادئها، وبأيديهم المتوضّئة يكون النّصر الموعود بإذن الله، يقول النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: “لا تزال طائفة من أمّتي على الدّين ظاهرين، لعدوّهم قاهرين، لا يضرّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.. المؤامرة على فلسطين كبيرة وخطيرة، والخيانة أكبر وأخطر، لكنّ تجارب التاريخ أثبتت أنّ النّصر دائما ما يكون من نصيب الأكثر وفاءً لمبادئه والأكثر صبرا عليها، والأهمّ من ذلك أنّ من بيده الأمر –سبحانه- قضى أنّ العاقبة ستكون لعباده المؤمنين وجنده الثّابتين: ((وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون)).
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.