جمعية العلماء المسلمين الجزائريين … وفلسطين
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين … وفلسطين
المحرر الأثنين 21 رمضان 1442? 3-5-2021م
د. يوسف جمعة سلامة*/
يسعدني أن أتقدم بالتهنئة القلبية الصادقة إلى رئيس وأعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والأخوة أسرة جريدة البصائر، والشعب الجزائري الشقيق، بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، هذه الجمعية الغرّاء التي أنشأها السلف الصالح من العلماء العاملين.
إنَّ اهتمام الجزائر بالقضية الفلسطينية كان منذ أيامها الأولى ، على الرغم من أن الجزائر وقتئذ كانت تحت الاحتلال الفرنسي، فقد قامت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بدورها في هذا المجال على أكمل وجه، هذه المؤسسة الرائدة التي نشرت العلم والنور في ربوع الجزائر وحافظت على القيم الدينية والثوابت الوطنية، فقد عملت الجمعية منذ تأسيسها على الحفاظ على هوية الجزائر العربية الإسلامية، عبر التصدي ومواجهة خطط الاستعمار لتغريب وإلغاء اللغة العربية وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، ونشر الثقافة الغربية بين أبناء الشعب الجزائري الشقيق، وما شعارها (الإسلام ديننا ، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا) عنّا ببعيد، ونحن هنا نشير إلى ما قاله أ. د. عبد الرزاق قسوم- رئيس الجمعية الحالي-: (ومن نعم الله على الجزائريين، أن بعث فيهم ومن أنفسهم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي منذ ولادتها استهلت صارخة ببغض الاستعمار وأذنابه، وكافرة بالفساد وأربابه، ومبشرة بالحراك وأسبابه، نحمدك اللهم، أن يَسَّرتَ لنا ابن باديس وأترابه، فَحَصَّنوا الجزائري بحصانة التغيير وبمبادئ الثورة والنفير، وإضاءة الطريق لِحُسْنِ السَّيْرِ والمَسِير).
وتُعَدُّ صحيفة البصائر – صحيفة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين – لساناً يصدحُ بالحقّ دفاعاً عن الحقّ الإسلامي والعربي والفلسطيني في فلسطين تاريخياً وعقدياً وحضارياً، فهي منذ تأسيسها إلى اليوم تتوالى أعدادها ومقالاتها تُدافع عن القضية الفلسطينية دفاعاً شريفاً كلّه عزيمة وبطولة وإيمان.
المواقف المشرفة لرؤساء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
إن مواقف رؤساء جمعية العلماء وعلمائها الأفاضل عبر التاريخ مواقفُ مُشَرّفةٌ تجاه فلسطين ومقدساتها وأهلها وقضيتها العادلة؛ لإيمانهم العميق بأن فلسطين وقدسها ومقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك قبلة المسلمين الأولى ومسرى نبيهم محمد – صلّى الله عليه وسلّم- مِلْكٌ خالصٌ للعرب والمسلمين وحدهم ، وليس لغير المسلمين حقٌّ فيها، ومن هؤلاء العلماء الحكماء:
*الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس- رحمه الله –:
مؤسس ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وقائد النهضة الجزائرية ورائد إصلاحها الديني والاجتماعي والثقافي، قال في مجلته الشهاب بتاريخ جمادى الثانية1357هـ الموافق لشهر (أغسطس) 1938م: (رحابُ القدسِ الشريف مثلُ رحابِ مكة والمدينة، وقد قال الله في الآية الأولى من سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}؛ لِيُعَرِّفنا بفضل تلك الرّحاب ، فكلُّ ما هو واقعٌ بها كأنه واقعٌ برحابِ المسجد الحرام ومسجد طَيْبَةَ).
وقدْ سَارَ خلفاء الإمام ابن باديس في رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالسير على نهج إمامهم الراحل – رحمه الله تعالى- .
* الإمام/ محمد البشير الإبراهيمي – رحمه الله – :
لقد كان فضيلة الإمام / محمد البشير الإبراهيمي – رحمه الله – نصيراً لقضية فلسطين، وكانت خطبه ومحاضراته تشتمل دائماً على الدعوة إلى المحافظة على أرض فلسطين، حيث قال -رحمه الله- : (أَيُّهَا العَرَبُ، أَيُّهَا المُسْلِمُونَ ! : إنَّ فلسطينَ وديعةُ محمدٍ عنْدَنا، وأمانةُ عُمَر في ذِمَمِنا، وَعَهْدُ الإسلامِ في أَعْناقِنا، فَلئِن أَخَذَهَا اليهود مِنَّا – ونحنُ عُصبةٌ – إنا إذاً لَخَاسِرُون).
*فضيلة الأستاذ الشيـخ/ عبد الرحمن شيبــان- رحمه الله – :
لقد كان فضيلة الأستاذ الشيخ/ عبد الرحمن شيبان – رحمه الله – مُحِبًّا لفلسطين وأهلها، وأكبر دليل على ذلك مقالاته المتعددة، وخطبه وبياناته العديدة ، حيث ذكر بعضها في كتابه (الجزائر وفلسطين بين قوة الحقّ وحقّ القوة).
ويؤكد فضيلته في كتابه على وجوب دعم فلسطين وأهلها، حيث يقول – رحمه الله – : (إعانة فلسطين فريضة مؤكدة على كل عربي وعلى كل مسلم، فَمَنْ قام به أَدَّى ما عليه من حقّ لعروبته ولإسلامه، ومن لم يؤده فهو دَيْنٌ في ذمته لا يبرأ منه إلا بأدائه، ومن سبق فله فضيلة السّبْق، ومن تأخر شفعت له المعاذير القائمة حتى تزول، فإذا زالت تعلق الطلب ووجب البدار).
*فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد الرّزاق قسوم (الرئيس الحالي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين –حفظه الله-):
وسيراً على هدى سيرة رؤساء جمعية العلماء السابقين يسير فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد الرزاق قسوم الرئيس الحالي للجمعية- حفظه الله- ، فقد انبرى مُدافعاً عن فلسطين وقضيتها – بقلبه ولسانه وقلمه -، ونذكر هنا ما قاله فضيلته بعد الإعلان عن صفقة العصر، حيث وصفها فضيلته بنكبة الدهر ولعنة العصر وصفعة العصر، فقال عنها : (إنّ لعنة العصر هذه، التي تَقْضي على مرأى ومسمع من الضمير الإنساني على المبدأ التاريخي للعرب في فلسطين، وعلى الحقّ الإلهي الثابت للمسلمين في القدس الشريف، لتمثل عدواناً على الفلسطيني وعلى العربي وعلى المسلم وهم عُصْبَةٌ، لصالح الصهاينة وهم عِصَابَةٌ، أَلاَ سَاءَ ما يحكمون!).
إِنّ المتأمل في المواقف المُشَرّفة لرؤساء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلمائها الأجلاء، لَيُدْرِك بما لا يَدَعُ مجالاً للشكِّ مدى تمسك الأمتين العربية والإسلامية بأرض فلسطين؛ لِمَا لَهَا من مكانة سامية في قلوب العرب والمسلمين، وبما يُؤكد قُدسية هذه الأرض وبركتها، وارتباط الأمة بها عقدياً وتاريخياً وسياسياً وحضارياً وثقافياً، وهذا ما يتحلَّى به الشعب الجزائري الشقيق تجاه فلسطين وأهلها، فبالرغم مما كانت تتعرّض له الجزائر من مِحَنٍ وتحديات إلا أَنَّ هذا لم يقفْ حائلاً أمام شعور الشعب الجزائري وعلمائه بواجبهم تجاه قضايا أمتهم وفي مقدمتها قضية فلسطين.
* الدعم الإغاثي والإنساني من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لفلسطين:
لقد ساهمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تقديم العون والمساعدة لأشقائهم في فلسطين، وهذا العمل ليس جديدًا، بل هو امتداد لعطاء العلماء المؤسسين للجمعية ولمواقف الشعب الجزائري الشقيق عبر التاريخ، ونحن نرى أنّ من الواجب علينا أن نُشيد بمواقف الجمهورية الجزائرية قيادة وشعبًا في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة معنوياً وسياسياً ومادياً ، وكما قال الرئيس الجزائري الراحل بومدين: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، فقد سيّرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قوافل عديدة لإغاثة أهلنا في قطاع غزة المحاصر، حيث قامت الجمعية بعد العدوان الغاشم على قطاع غزة بإقامة مستشفى الجزائر في القطاع، مساعدة من الشعب الجزائري الشقيق لأبناء الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة ، كما قدمت مساعدات إغاثية عديدة، فجزاهم الله خير الجزاء.
جمعية العلماء المسلمين الجزائرين …
وغرس حب الوطن والتعايش فيه
انطلاقاً من قول رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم- وهو يخاطب وطنه مكة المكرمة: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)، فقد أحبَّ المسلمون أوطانهم، اقتداء بنبيهم محمد – صلّى الله عليه وسلّم– الذي عَلَّم الدنيا كلها حُبَّ الأوطان والأماكن المباركة والوفاء لمسقط الرأس.
أجل فما من الوطن بُدٌّ، وما للإنسان عنه من منصرف أو غنى، في ظلِّه يأتلف الناس، وعلى أرضه يعيش الفكر، وفي حماه تتجمع أسباب الحياة.
لقد أَدَّت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دوراً مُهماً في غرس حبّ الأوطان في نفوس أبناء الجزائر من خلال تنمية صِدْق الانتماء والوفاء للوطن، والسعي الحثيث لبنائه وعمارته؛ لأنّ فيه المعاش وبه المصالح، والحرص على أمنه واستقراره، وأن يكون الجميع عيوناً ساهرة على سلامته وحمايته، فالأمة الإسلامية في هذه الأيام تمرّ في ظروف صعبة قاسية من تاريخها، فقد تكالب عليها أعداؤها وأحاطوا بها من كلّ جانب، لذلك فإن الأمة الإسلامية في أَمَسِّ الحاجة اليوم إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله، وتطبيق أوامره وتعاليمه ، واتخاذ الخُطوات العملية الجادة لتنفيذ الوحدة والمحافظة على الأوطان.
وصلّى الله على سيّدنا محمد T وعلى آله وأصحابه أجمعين