وتدور الأيام دورتها ويعود إلينا الشهر الفضيل، فهل نصومه إيمانا واحتسابا أم نصوم أداء روتينيا باردا؟ بالنسبة لبعضنا قد يكون هو آخر رمضان يعيشه قبل لقاء ربه، من يحيا منا ومن يموت؟ نحن جميعا موتى محتملون وإنما هي الآجال تتفاوت، فما أجمل أن يصوم الواحد منا صيام مودع، لعلّه يدخل عالم الآخرة بزاد التقوى وثواب الصائمين.
ولو كان لي وصية أخوية خالصة لإخواني المسلمين لأوصيتهم بعدم تضييع الشهر الكريم في تتبع سلبيات الأفراد والمجتمع – كما هي عادتنا المتوارثة – بل نحرص على تحسين صلتنا بالله تعالى بمزيد من العبودية والصالحات، وتحسين صلتنا ببعضنا بمزيد من التراحم والمعاملة الحسنة والأدب الرفيع، وأن نكثر من الخيرات ونضخم رصيدنا بالحسنات، أي – بعبارة جامعة – نصوم ونرتقي.
ونصيحة ثانية من القلب: تذكروا إخوانكم وظروفهم في رمضان.
تذكروا حال إخواننا في فلسطين ومعاناة الاحتلال والظلم والتهجير، تذكروا أهلنا في القدس الشريف والمرابطين في الأقصى، تذكروا معاناة أهل غزة مع الحرمان والفقر والعدوان والتضييق عليهم من الجوار ومن «الأشقاء»، يعيشون ويصومون بلا تغذية كافية ولا دواء ولا أساسيات الحياة، فضلا عن الكماليات.
لا تنسوا مصيبة سوريا الشقيقة، ما زال أهلنا هناك تحت قنابل البعث والطائفية والشيعة والروس، والمهجّرون بالملايين في الخيام وفي الشتات في حالة مزرية، كل هذا منذ سنوات، تصوّروا حالهم في رمضان سواء داخل سوريا أو في مخيمات اللاجئين أو التائهين على وجوههم في مختلف البلاد ومنها الجزائر حيث يعيشون من الصدقات.
لا تنسوا أن إخواننا المظلومين في اليمن الشقيق يُقتلون يوميا بسلاح الشيعة وبسلاح «الإخوة» السعوديين وحلفائهم المعتدين الذين حوّلوا اليمن من سعيد إلى شقي، مأساتهم – هي الأخرى – ممتدة منذ سنوات، وهم في أسوأ حال.
لا تنسوا مأساة مسلمي الصين وبرمانية وغيرهما…مسلمون متمسكون بدينهم يلقون الخسف والهوان من الملحدين، تصوّروا حالهم في رمضان، حيث لا طعام ولا صلاة ولا تراويح.
تذكروا العلماء والدعاة الأبرياء الذين يقبعون في سجون الطغاة ويموتون فيها ببطء، حكم الإعدام معلق على رقاب كثير منهم، ولا ذنب لهم سوى تمسكهم بالإسلام وبالشرعية وحقهم في الحرية ورفض الاستبداد والظلم وأنواع الجور الحكومي.
كل هؤلاء إخواننا في العقيدة، حقوقهم – بمقتضى العقيدة الصحيحة – مقدمة على حقوق إخوة التراب والجنسية… على الأقل تكون قضاياهم حية في قلوبنا وعقولنا، ندعو لهم بالثبات والنصر، نحن – رغم حالتنا الاقتصادية والاجتماعية – آمنون في بيوتنا، نصوم ونفطر والحمد لله، وهم مع الخوف الدائم من القنابل وأنواع العدوان، وهم يصومون ولا يجدون في كثير من الأحيان ما يفطرون عليه، تحت القصد وفي الزنزانات المظلمة.
وكلمة أخوية أخيرة: ألسنا نكذب على أنفسنا؟ أين التراحم في شهر الرحمة؟ أين الالتزام بشرع الله، أين أخلاق الإسلام؟ نشتكي من التضييق على المساجد فإذا فُتحت بقيت شبه خاوية، لا يرتادها في الغالب إلا كبار السنّ، وهي لا تفرح بنا ونحن ملطخون بالخطايا… كم كسبت أيدينا من الآثام وتكسب كل ساعة وحين، فيتصاغر ذلك في أعيننا ويتضخم بعض ما نبذل من عمل صالح فنرضى عن أنفسنا فيكثر لهوُنا ولغوُنا وضحكُنا، وتبرد القلوب وتجفّ العيون، ونتحجج بطغيان المادة كأننا أبرياء أطهار جاءنا البلاء من السماء أو من وراء البحر، ونحن الذين صنعنا صنم المادة ووقعنا له ساجدين، نضحك على صنيع اليهود مع العجل ونحن نفعل مثلهم، كم من سامري مجدناه واتبعناه، وكم من هارون حاصرناه، وكم من موسى عصيناه… أين عملنا بالقرآن؟ أين اتباعنا للسنة؟ أين تحكيمنا لشرع الله في بيوتنا وأسواقنا وقلوبنا وسلوكنا؟ نطالب الحُكام بتحكيم الشريعة أما نحن فنحكّم أهواءنا… أين أخلاق الصائم القائم؟ أين روحانية الشهر الفضيل؟ الكلام حول كل هذا كثير ممجوج لكن السلوك لا يعكسه إلا قليلا، على يد ربانيين وربانيات، ثابتين صادقين لم يبدلوا ولم يغيروا، عرفوا أن رمضان ليس شهر غفلة بل مدرسة لإعداد النفوس المؤمنة وتربية القلوب وبناء الأمة فأقاموا أنفسهم على ذلك وأحسنوا المسير… ليتنا نقتفي أثرهم وننخرط في سلكهم.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.