فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1773.42
إعلانات


دلالات انضباط المسجد في زمن كورونا

 

دلالات انضباط المسجد في زمن كورونا

 

بالرغم من أن “كورونا” كانت سببا في الحدّ من إتمام شعائر المسلمين كالحج وصلاة الجماعة، إلا أنها في جانب آخر أَحْيَتْ قيمة كبرى كثيرا ما غابت لديهم هي قيمة الانضباط. لقد شهد الجميع أن المسجد كان المكان الأكثر احتراما لقواعد الوقاية من انتشار الفيروس. نادرا ما تجد مَن لا يحترم بداخله مسافة التباعد الاجتماعي، وقلّما يأتي أحد المصلين وهو من دون كمّامة واقية أو سجادة صلاة. هناك انضباطٌ تام في هذا الجانب رغم أن الأمر يتعلق بمسائل لها علاقة بالعبادات.

هذا السلوك المنضبط يؤكد لنا مرة أخرى كيف أن أكثر ما يستجيب المرء له في مجتمعاتنا هو الدين حتى وإن تعلق الأمر بممارسة الشعائر الدينية ذاتها. بما يعني أن مجتمعاتنا مازالت في عمقها مجتمعاتٍ متدينة وأننا لا يُمكن إعادة بناء سلوكها خارج معتقداتها الإيمانية الراسخة.

لقد لاحظنا في العالم كيف أن أكبر وسيلة للوقاية من هذا الفيروس المتحوِّر كانت الانضباط في احترام القواعد. كان ذلك هو السبب الرئيس في تحكُّم الصين مثلا في انتشار الوباء، حيث مكنت التقاليد الصينية من تحقيق ذلك، على خلاف الديمقراطيات الغربية التي سادتها فوضى عارمة في التعامل مع “الكوفيد19” رغم ما تملكه من وسائل إعلام للتوعية والتثقيف. وكان ذلك من بين اسباب انتشار الوباء أكثر بها.

وفي بلادنا لاحظنا أن الفضاءات العامة الأخرى، سياسية كانت أو اجتماعية وأحيانا حتى علمية رغم محاولات التوعية الإعلامية المتكررة بالوسائل الحديثة، لم ترقَ إلى الانضباط الذي ساد الفضاء المسجدي.

يدلُّ هذا كم نحن في حاجة إلى العودة إلى الذات لإصلاح مجتمعاتنا، وكم هي خاطئة تلك الفكرة القائلة إن قواعد السلوك الاجتماعي واحدة في العالم يكفي اعتمادُها لنُحقِّق الغاية، وكم هي صحيحة تلك الفكرة القائلة أننا لن نستطيع إعادة بناء الذات الوطنية إلا بالارتكاز على قاعدة صلبة من قيمنا الراسخة ذات المرجعية الدينية.

لعل البعض في هذا العالم أراد توظيف هذا الوباء للتآمر على الدين، ولعله فَرِح يومَ لم يَحُجّ المسلمون، ويوم أُغلِقت مساجدُهم، ويوم لم يصَّلُوا التراويح، ولكنه اليوم يكتشف خلافا لكل التوقعات كم كان ذلك مُضلِّلا: المجتمعات الملتزمة دينيا، إسلامية وغيرها، والمجتمعات المنضبطة بعقائد أخرى مثل الكونفوشيوسية في الصين والبوذية في الهند، كانت أكثر قدرة على التكيُّف وعلى البقاء من بقية المجتمعات القائمة على تغليب قيمة التحرُّر على الانضباط.

إن المستقبل هو بحق اليوم لكل ما هو روحيٌّ ورباني ومتسامي وأخلاقي في الإنسان، وليس أبدا لما هو مادي غير إنساني باحث عن الهيمنة المطلقة ولو بالقضاء على الدين. إنه اتجاهٌ يتأكد في العقدين الأخيرين، ليس في العالم الإسلامي فحسب، بل في بقية الدوائر الحضارية الإنسانية الأخرى غير دائرة الإسلام، مما يدلُّ على أن “كورونا” بدل أن تكون سببا في إحداث اضطراب في القيم على مستوى ما يُعرَف بالمجتمعات التقليدية، كانت سببا في حدوث العكس. ولنا في انضباط المسجد خير دليل.                                 

                                             

محمد سليم قلالة

2021/04/13


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة