إنّ الله يراني
إنّ الله يراني
سؤال مهمّ، ينبغي لكلّ واحد منّا أن يطرحه على نفسه، وهو يعاني الجوع ويكابد العطش والوهن في أيام رمضان: لماذا أصوم؟ إنّ للإجابة عن هذا السّؤال لأثرًا كبيرا في حال الصّائم الذي يُفترض أنّه يصوم ليس لأنّ النّاس من حوله كلّهم يصومون، وليس لأنّه يخشى الفضيحة إن هو لم يصم، وليس فقط لأنّ الله فرض عليه الصّيام، وإنّما لأنّه يريد من خالقه ومولاه أن يتوب عليه ويُجزل له الثّواب، ويعتقه من النّار ويكتب له رضوانه وجنّته.
يقول جلّ مِن قائل، كما في الحديث القدسيّ: “كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به”، فهل صيامك– أخي المؤمن- لله؟ هل تحسّ في داخلك بأنّك تنشد رضا الله وتطلب ثوابه وعطاءه؟ لماذا لا تخلو بنفسك في مكان لا يطلّع عليك فيه أحد من خلق الله فتأكل وتشرب؟ ربّما تدخل البيت في نهار رمضان وتفتح الثّلاّجة فترى ألوانا وأصنافا شتّى من الملاذّ، ولا تجرؤ على مدّ يدك إلى شيء منها رغم أنّه لا أحد يراك إلاّ الله. المرأة في نهار رمضان في المطبخ، كلّ ما لذّ وطاب بين يديها، روائح الأطعمة اللّذيذة تداعب أنفها، ولا تجرؤ على ذوق شيء منها مع أنّه لا يراها ويطّلع عليها إلاّ الله. ما الذي يردّك أيّها المؤمن؟ ما الذي يردّك أيّتها المؤمنة؟ إنّه الإحساس باطّلاع الله واستشعار رقابته جلّ في علاه؛ شعور يجده كلّ مسلم في داخله يمنعه من انتهاك حرمة رمضان، ويجعله يتحرّز من دخول قطرات الماء وذرات الغبار إلى حلقه.
إنّ العبد المؤمن متى ما تأمّل هذا الشّعور وذاك الإحساس، فإنّه سيجد في نفسه رقة وفي قلبه خشوعا طالما حاول البحث عنه، وسيجد للصّيام حلاوة لا يعلم مداها إلاّ من جرّب وعرف، ولنفسه إقبالا على طاعة الله وتقواه، ولهذا يقول الحنّان المنّان سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).. فما أحوجنا إلى استثمار هذا الشّعور الذي نجده ونحن نمتنع عن الحلال؛ ما أحوجنا إلى استثماره في الامتناع عن الحرام، وما أحرانا بسؤال أنفسنا: لماذا نستشعر رقابة الله فيما يدخل أجوافنا من حلال في أيام رمضان، ولا نستشعرها فيما يدخلها من حرام في سائر أيام العام؟ لماذا نهتمّ بما يدخل أجوافنا في أيام رمضان، ولا نهتمّ بما يخرج منها من كلام فاحش وغيبة ونميمة؟… أسئلة ينبغي لكلّ واحد منّا أن يطرحها على نفسه، حتى يستفيد من مدرسة رمضان، ويتعلّم كيف يجعل شعارا لحياته: “إنّ الله يراني”.