عبد الحميد عثماني * يكتب في الشروق الجزائرية… إكرامًا لوالد الرئيس تبون!
… إكرامًا لوالد الرئيس تبون!
عبد الحميد عثماني
2021/03/31
لم يتوقف منذ سنوات رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الشيخ عبد الرزاق قسوم عن مناشدة السلطات العمومية والمسؤولين في كافة المستويات، لأجل منح هيئته مقرّا لائقًا لمزاولة نشاطها الوطني.
وقد تحدّث الرجل في كل المنابر، وشرح كيف تلقّت الجمعية قبل 09 سنوات وعدا بالحصول على قطعة أرضية ببراقي، قبل أن يتدخل لاحقا وزيرٌ للشؤون الدينية ويحرمها منها، بحجّة تركها لتشييد مقرّ وزاريّ للقطاع، على أن تنال الجمعية مقرّا ضمن هياكله.
وفي النهاية تبخّر حلم علماء الجزائر في بناء مرفق يناسب مقام الجمعية، بينما قررت الحكومة تخصيص قطعة أخرى، قرب جامع الجزائر، لإيواء وزارة الشؤون الدينية، والأشغال على وشك الانتهاء.
فهل يُعقل أن تظلّ جمعية العلماء بعد 90 عامًا من تأسيسها، و80 عاما من رحيل الإمام عبد الحميد ابن باديس، وقرابة 60 عامًا من الاستقلال، دون مقرّ محترم يرقى إلى سمعتها التاريخية ودورها الحضاري، ويلبّي حاجتها اليوم في استيعاب مناشطها المختلفة؟
نظنّ أن وضع الجمعيّة، وهي تستغيث بمسؤولي البلد، يشكل حرجًا لمؤسسات الدولة والمجتمع بكل نخبه على السواء، والحال ليس طارئا أبدا، بل هو قائمٌ منذ 30 عامًا، تاريخ عودتها للنشاط بعد فتح المجال للتعددية.
وقد كتب أستاذنا الفاضل، المؤرخ الهادي الحسني في 2011، مقالاً في “الشروق” بعنوان “المجد الكبير والمقرّ الحقير”، سجّل فيه بمرارة أنّ الجمعية عند بعثها الثاني لم تُعط مقرّا، فاتخذت من دكان حلاقة يملكه الشيخ الطاهر فضلاء، رحمه الله، في حي أول ماي، مأوى لها!
ولولا الموقف النبيل لمحافظ الجزائر الكبرى سابقا، الشريف رحماني، الذي منحها طابقا متواضعًا من بناية قديمة لمديرية الشؤون الدينية بحسين داي، وأمْره وقتها بتجهيزه بالمكاتب والخزائن والكراسي، فربّمَا بقي رجال الجمعية مشرّدين إلى اليوم!
إنّ حال الجمعية البئيس ماديّا عارٌ يلاحق كل مسؤول تعاقبَ على سلطة القرار في هذه الديار، ولم يبذل جهدا لإنصافها من حيفٍ تاريخي طالها دون وجه حقّ، وهي في الواقع، إذ تطلب توفير مَرافق لأعمالها الوطنية التطوعيّة، لا تتسوّل أحدا، بل الواجب القانوني والأخلاقي يقتضي تمكينها من مدارسها ومساجدها ونواديها التي تستغلها الدولة وبعض الأفراد منذ 1962، فهي أولى وأحقّ بها، كما قال الشيخ الحسني.
لعلّ الكثير من الجزائريين لا يعلمون أن جمعية ابن باديس والإبراهيمي والتبسي والعقبي وبقية إخوانهم من العلماء المجاهدين، وبشهادة رئيسها الحالي عبد الرزاق قسوم، لا تأخذ فلسًا واحدًا من الدولة.
يحدث ذلك، في وقت يُوزَّع فيه المال بسخاء على تظاهرات هزّ الأرداف وجمعيات الفلكلور، وتسطو “منظماتٌ جماهيرية” من زمن الأحادية المقيتة، وأحزاب العصابة البائدة، على مرافق عمومية فسيحة في قلب المراكز الحضرية، لتبقى موصدة الأبواب إلا في مواسم الانتخابات.
إنّ الأمل معقودٌ اليوم على رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، وقد آل على نفسه التأسيسَ لجزائر جديدة، ولن يستوي بنيانُها دون تكريس للهوية الحضارية للأمة، ورعاية خيرِ جمعية أخرجت للناس، بفضلها نهضت الجزائر من تحت ركام الإستدمار بدحر مخطط الاستيطان.
لقد أحسن الرئيس تبون صنعًا بمناسبة عيد العلم 2020، حين أمر بترميم جميع المساجد العتيقة في الجزائر، وفي مقدمتها الجامع الأخضر في قسنطينة، حيث ألقى بن باديس دروسه في التفسير والحديث “حرصا من الدولة على بقاء هذا الصرح مصدر إشعاع ديني وثقافي، وشاهدا على مكانة هذا الرجل في تاريخ نهضة الأمة”.
وسبق ذلك استقبالُ وفد الجمعية في يناير من العام الماضي، ضمن مشاورات الرئاسة مع الهيئات والشخصيات الوطنية.
وهي الالتفاتات التي وقفت عندها الجمعية بالشكر والامتنان لرئيس الجمهورية، فكتب رئيسها قسوم: “لقد أنصفتم التاريخ بموقفكم الخالد هذا، فصحَّحتم للأجيال وللمؤرِّخين ولكامل شعبنا، دور ابن باديس والعلماء الذي ظلَّ مطموسا، حتى منَّ الله على الجزائر بعهدكم، فأعدتم الأمور إلى نصابها، وهو موقفٌ سيخلده التاريخ ويذكره لكم المنصفون”.
لذلك صار منتظرا الآن من الرئيس تبون، إكرامًا لروح والده الفاضل، الحاج أحمد، عليه شآبيبُ الرحمة والرضوان، مؤسس شعبة العلماء المسلمين في مدينة المشرية عام 1939، أن يمنح الجمعية مقرّا ساميًا يُفرح أهلها ويستجيب لطموحها، وقد كبرت مسؤولياتُها وهمومها تجاه الأمة، إذ تجاوز حضورها البارز حدود القطر إلى أرض المسلمين في كل مكان، لترفع راية الجزائر خفاقة في غزة والصومال والصحراء الغربية وميانمار وسواها.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.