ليسوا بمسلمين وليسوا بمصريين
د.صفوت حجازي | 04-01-2011 00:59
من عرف مصر وشعب مصر لا يتصور أبدا أن يقوم مصري بهذه العملية البشعة التي حدثت في الإسكندرية , من عاش على أرض مصر وبين المصريين لا يصدق أن هناك مصري يمكن أن يفجر نفسه في وسط المصريين .
لا لم يفعل هذه الفعلة مصري أبدا .. فعلم النفس الإجرامي أو الجنائي كما يسمونه يقول : إن طبيعة الجريمة وطريقة تنفيذها تتفق مع طبيعة الشعوب , والعالِم بطبيعة شعب مصر وطبيعة المصريين يجزم بأن منفذ جريمة كنيسة القديسين ليس من شعب مصر الطيب , ولا من هذه الأرض الطيبة .
لا أتكلم بلسان الشيخ العالم الداعية المسلم , ولكن أتكلم بلسان المصري الفصيح الذي يحب هذه الأرض وهذا الوطن , أتكلم بلسان يحركه قلبٌ يبكي على وطنٍ ينهش الأعداء عرضه وشرفه , أتكلم بعقل مصري يدرك أن الأعداء يخططون للتخلص من هذا الوطن المستكين من سنين ,وطن ويخشون استيقاظه الذي إن حدث سيغير الكثير والكثير في هذا العالم .
أقول : نحن شعب مصر مسلمون ونصارى , متعلمون وأميون , صناع وزراع وتجار , نحن شعب مصر رجال ونساء , شباب وعجائز , من آلاف السنين ونحن على قلب رجل واحد , لنا حاكم واحد فرعون كان أو نبي .
لماذا اليوم تحولنا إلى شعبين ؟: شعب المسجد وشعب الكنيسة , شعب المصحف وشعب الإنجيل , شعب مسلم وشعب قبطي . لماذا تحولنا ؟ هل من مجيب ؟
لم تعجبني لغة الخطاب الإعلامي والسياسي . لم تعجبني لغة الشيوخ والقساوسة , في تناولهم لجريمة كنيسة القديسين .
ليست فتنة طائفية أيها الناس . ليس عملا إجراميا بين مسلمين ومسيحيين . إنما هو إرهاب ضد مصر كل مصر , ضد شعب مصر كل شعب مصر .
القتلى مصريون , والمصابون مصريون , الانفجار حدث أمام المسجد وأمام الكنيسة , هل يصح أن أقدم واجب العزاء لنفسي في قتيلي , لم يعجبني عزاء شيخ الأزهر للبابا شنودة , لا تتعجبوا ولا تتعجلوا وأجيبوني : هل الأخ يعزي أخيه في وفاة والدهما ؟ هل الأب يعزي الابن في وفاة الابن الآخر ؟ هل الأب يعزي الأم في وفاة ولدهما ؟ هؤلاء الضحايا هم أبناء مصر , إخوة مصر , أباء وأمهات وأخوات مصر , فلماذا نقدم واجب العزاء في أنفسنا لأنفسنا ؟ لماذا جعلنا على أرض مصر شعبين بدينين بقيادتين , واخشي أن يكون قريبا بجيشين .
لماذا جعلناها جريمة مقصود بها نصارى مصر , لماذا جعلنا النصارى هم المضطهدون , هم الضعفاء , هم الضحايا ؟ كلنا مقصود كلنا مضطهدون كلنا ضعفاء : مسلمون ومسيحيون .
لماذا يتظاهر النصارى ولا يتظاهر المسلمون ؟ ضد من نتظاهر ؟ ضد بعضنا البعض ؟ الفجيعة واحدة , والمصاب واحد , ونحن المصريون المستهدفون .
حدثني مسلم : كان لي أساتذة في المدرسة وفي الجامعة مسيحيين ومسيحيات هل أقتلهم ؟ كان نائب قائد كتيبتي في الجيش ورئيس العمليات مسيحي , وكنت أقف خدمة بالليل على باب استراحته وهو نائم أحرسه وأدافع عنه إن أراده أحد بسؤ , ومعي سلاحي أحمي به وطني وأحمي به قائدي المسيحي هل أنا آثم ؟ لا لست آثما ولست مخطئا بل الإثم والخطيئة ألا تؤدي لهم واجب الاحترام والتقدير والحماية .
وحدثني مسيحي : أنا ضابط في الجيش أرفع يدي بالتحية العسكرية للمسلم الأعلى مني رتبة , ويرفع الضابط المسلم الأصغر مني رتبة يده بالتحية العسكرية لي . وأخي طبيب تخدير ويعمل مع جراح مسلم وبين أيدينا مريض لا يهمنا إن كان مسلما أو مسيحيا , لا يهمنا إلا أن يتم الله له الشفاء على أيدينا نحن الاثنين .
هكذا شعب مصر ... وجوهنا واحدة , ألواننا واحدة , لغتنا واحدة , حتى همومنا واحدة , لا تعرف المسلم من المسيحي ألا عند الصلاة , عند المسجد أو عند الكنيسة .
دعوني أذكركم بعملية سوزانا . الكثير يسال من سوزانا ؟ فضيحة لافون . أظن تذكرونها , عملية سوزانا أو فضيحة لافون حدثت في الإسكندرية في شهر يوليو 1954 في نفس مدينة الإسكندرية التي حدثت فيها جريمة كنيسة القديسين .
في هذا التاريخ انفجرت ثلاثة طرود في مركز البريد الرئيسي بالأسكندرية , وفي يوم 14 يوليو من نفس العام 1954 وفي نفس المدينة الإسكندرية انفجرت قنبلة في المركز الثقافي الأمريكي , وعند سينما ريو بالأسكندرية فوجئ المارة باشتعال النار في ثياب أحد المارين , فسارع الناس إلى هذا الشاب التي اشتعلت النار في ثيابه وأنقذوه بطيبة قلوب المصريين المعتادة , وشاء الله أن يكون من بين المارة الذين أنقذوا الشاب من حريق ثيابه شرطيا , اصطحبه إلى المستشفى لإسعافه ومعالجة الحروق التي في يده , وفي المستشفى اكتشف الأطباء أن جسم الشاب ملطخ بمسحوق فضي لامع , وفي جيب الشاب وفي محفظته كمية من نفس المسحوق , وقرر الأطباء أن الاشتعال نتج عن تفاعل كيميائي , وتم اعتقال الشاب وكان اسمه فيليب ناتاسون يهودي الديانة وعمره 21 عام ومجهول الجنسية ( لاحظوا مجهول الجنسية وليس مصريا ) واعترف بأنه عضو في منظمة إرهابية يهودية مكلفة بهذه العمليات في مصر , وتم بناءا على اعترافات فيليب القبض على باقي أعضاء الخلية اليهودية والتي كانت يشرف عليها مباشرة وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها ديفيد لافون وإليه نسبت العملية , وتمت محاكمة أعضاء الخلية , وحكم على اثنين منهم بالإعدام : وهم موسى ليتو مرزوق وصموئيل بخور عازار , ويوم تنفيذ الحكم اجتمع الكنيست الإسرائيلي ووقف الأعضاء حدادا على العميلين , وأعلن يومها الحداد الوطني ونكست الإعلام ....... فقط للتذكير
أقول : من فعلوا هذه الجريمة ليسوا بمصريين , وليسوا بمسلمين , وليسوا بمسيحيين . فمصر منهم براء والإسلام منهم براء . والمسيح منهم براء .
لا أصدق رواية الداخلية بأن انتحاري فجر نفسه , ليس بين المسلمين المصريين من ينخدع بفتوى تفجير نفسه بين أبناء وطنه ويكون شهيدا , لا ليس بيننا هذا .
ولا يمكن أن يكون مسيحيا مصريا استمع إلى فتوى من قسيس متطرف بتفجير نفسه حتى يكون شهيدا ويحقق للكنيسة مكاسب ويؤكد للعالم أن المسيحيين مضطهدين في مصر , لا ليس بيننا هذا .
أقول للداخلية : ابحثوا عن الأسباب الحقيقة , وعن طريقة التنفيذ الحقيقة , وعن الجاني الحقيقي .
أقول لبابا الفاتيكان بعد تصريحه بوجوب حماية المسيحيين في مصر . أقول له : لا شأن لك بنا فالمسيحيون المصريون ليسوا من أتباعك , بل إن مذهبك يعتبرهم خارج الملكوت , أقول له : لا تشعل نارا في وطننا . كان أولى بك يا بابا الفاتيكان أن تنادي بوجوب حماية المصريين , وأقول لرئيسنا : يجب حماية المصريين سيدي الرئيس مسلمين ومسيحيين , فالقتلى والمصابين بينهم مسلمين ومسيحيين , والرصاص لا يفرق بينهما , وسيادتك رئيسا للمسلمين وللمسيحيين .
صدق رسول الله المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حينما قال : مبارك شعب مصر .. كل من هو من شعب مصر
وصدق رسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام حينما قال : استوصوا بأهل مصر خيرا ... كل من هو من أهل مصر
•أمين عام رابطة علماء أهل السنة