من بلاغة الوصف
(إِذا تأيّمت الأرض من زوج القطر، ووجدت لفقده مسّ الجدب، أخذت في ثياب "فترى الأرض هامدة"...
فإذا قوي فقر القفر، مد أكف الطلب يستعطي زكاة السحاب، فساق الصانع بعلا يسقي بعلا...
فثارت للغياث مثيرة، فجاء الغيث بلا مثيرة ... "فسُقناهُ إِلى بَلَد ميت" وتأثير صناعة المعلم في البليد أعجب.
فلبس الجوّ مِطرفَهُ الأدكن، وأقبلت خيّالة القطر شاهرةً سيوف البرْق... فأخذ فَراش الهوى، يرشُّ جيش النسيم، فباحت الريح بمكنون المطر ...
فاستعار السحابُ جفونَ العشاق، وأكُف الأجواد، فامتلأت الأودية أنهارا...
..فارتبع الربيع أوسط بلاد الزمان، فأعار الأرضَ أثواب الصبا، فانتبهت عيون الأرض من سِنة الكرى...
ونهضت عرائس النبات ترفُل في أنواع الحُلل... فكأن النرجسَ عَين، ووَرَقَه وَرِق...
فالشقائق يحكي لون الخجَل... والبهار يصف حال الوجَل... والبنفسج كآثار العض في البدن.. والنيلوفر يغفو وينتبه... والأغصان تعتنق وتفترق... فاجتمعت في عرس التواصل فنون القيان... فعلا كلُّ ذي فنّ على فنن، فتطارحت الأطيار مناظرات السجوع، فأعرب كلٌ بلغته عن شوقه، فالحمام يهدر، والبلبل يخطب، والقُمري يرجع، والهدهد يهدد، والأغصان تتمايل... كلها تشكر للذي بيده عقدة النكاح... ))
اللطائف لابن الجوزي.