رثاء علي لأبي بكر رضي الله عنهما
رثاء علي لأبي بكر رضي الله عنهما
لما قبض أبو بكر الصديق رضي الله عنه سجى بثوب ، فارتجت المدينة بالبكاء عليه ودهش القوم كيوم قبض الرسول صلى الله عليه و سلم، وجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه باكيا مسرعا مسترجعا حتى وقف بالباب وهو يقول :
رحمك الله يا أبا بكر ، كنت والله أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا وأشدهم يقينا ، وأعظمهم عناء، وأحفظهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم، وأحربهم على الإسلام وأحناهم على أهله، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وفضلا وهديا وسمتا ، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيرا ، صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس ، وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا ، سماك الله في كتابه صديقا فقال:
( والذي جاء بالصدق وصدق به )
يريد محمدا ويريدك.
كنت والله للإسلام حصنا وعلى الكافرين عذابا لم تفلل حاجتك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك .
كنت كالجبال لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ضعيفا في بدنك ، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك عظيما عند الله، قليلا في الأرض ، كثيرا عند المؤمنين ، لم يكن لأحد عندك مطمع ، ولا لا حد عندك هوادة ، فالقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه ، والضعيف عندك قوي حتى
تأخذا الحق له ، فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك .
العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي الجزء الثالث
ص 240