د. يوسف جمعة سلامة* / القدس تُحبك يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البصائر
المحرر الأربعاء 10 ذو القعدة 1441? 1-7-2020م
د. يوسف جمعة سلامة* /
إنّ مدينة القدس بقعة مباركة، وتاريخها مرتبط بِسِيَرِ الرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام – وهي القبلة الأولى، ومنتهى الإسراء ومنطلق المعراج إلى السماء، وأرض المحشر والمنشر، وفيها أَمَّ الرسول –صلى الله عليه وسلم – إخوانه الأنبياء والمرسلين –عليهم الصلاة والسلام – في المسجد الأقصى المبارك، فهي عزيزة علينا، دِيناً وَدُنْيا ، قديماً وحديثاً، ولن نُفَرِّط فيها أبداً مهما كانت المُغْريات، ومهما عَظُمَت التهديدات.
لقد ظهرت مكانة مدينة القدس عبر التاريخ من خلال حرص المسلمين على فتحها وذلك في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، ثم قيامهم بتحريرها بقيادة القائد/ صلاح الدين الأيوبي-رحمه الله – كما عملوا على صيانة معالمها والمحافظة عليها .
لقد أحبَّ رسولنا محمد –صلى الله عليه وسلم – المدينة المقدسة، حيث أَتَاهَا في ليلة الإسراء والمعراج، وطالب المسلمين بزيارتها وَشَدِّ الرِّحَال إليها، وضرورة المحافظة عليها ودعم المرابطين فيها ومساندتهم، فهذه المدينة المباركة تُحبّك يا سيدي يا رسول الله كما أَحْبَبْتَهَا.
– القدس تُحبك يا رسول الله: لأنك علّمتَ الأمة بأن بيت المقدس أرض المحشر والمنشر، كما جاء في الحديث عن ميمونة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: قلتُ: «يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ:» أَرْضُ الْمَحْشَر ِوالْمَنْشَر…»، حيث يُساق النّاسُ إليه، ينتظرون القضاء فيما بينهم، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}.
فقد جاء في (كتاب تفسير الجلالين) في تفسير الآية السابقة: «المنادي هو إسرافيل -عليه السلام- ينادي من مكان قريب من السماء وهو صخرة بيت المقدس، أقرب موضع من الأرض إلى السماء، يقول: أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة، إنّ الله تعالى يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء».
– القدس تُحبك يا رسول الله: لأنك أَعْطَيْتَهَا مكانتها الرفيعة، فقد ربطتَ المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس بشقيقيه المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، كما جاء في الحديث الشريف: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـمَ- وَمَسْجِدِ الأَقْصَى».
فهذا يدل على الاهتمام الكبير الذي أولاه الرسول -عليه الصلاة والسلام- للمسجد الأقصى المبارك، حيث ربط -صلى الله عليه وسلم- قيمته وبركته مع قيمة شقيقيه المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وبركتهما.
– القدس تُحبك يا رسول الله: لأنكَ لم تخرج من الجزيرة العربية إلا إليها ، فمن المعلوم أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يخرج من الجزيرة العربية إلا إلى القدس، وكان ذلك في رحلة الإسراء والمعراج يوم صَلَّى -عليه الصلاة والسلام- إماماً بالأنبياء والمرسلين-عليهم الصلاة والسلام- في المسجد الأقصى المبارك، كما أن سيدنا عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – الذي فُتِحَت في عهده دمشق ومصر والعراق، لم يذهب لاستلام مفاتيح أية مدينة، وإنما جاء إلى القدس في إشارة منه –رضي الله عنه – إلى مكانة هذه المدينة في عقيدة الأمة، كما جاءها وَعَمَّرها ودُفِن فيها عشرات الصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين-.
– القدس تُحبك يا رسول الله: لأنها أرض الإسراء والمعراج فقد شَرُفَتْ بقدومك في تلك الليلة المباركة ،حيث صَلَّيْتَ إماماً بالأنبياء والمرسلين –عليهم الصلاة والسلام-، كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنهما – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ(وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَويلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ) قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِه الأنْبِيَاء، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيِه رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ… «.
فالمسجد الأقصى المبارك قلب المدينة المقدسة هو محور الارتكاز في رحلة الإسراء والمعراج فهو نهاية الإسراء وبداية المعراج، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين ولا يُفرّط في أحدهما، فإنه إذا فَرّط في أحدهما أوشك أن يُفرّط في الآخر، ومن المعلوم أن حادثة الإسراء والمعراج من المعجزات، والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، لذلك فإن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مرتبطون بهذه البلاد ارتباطاً عقدياً، فهذه الحادثة هي أكبر شاهد في تاريخنا الإسلامي على مكانة القدس وأهميتها الدينية لدى المسلمين.
– القدس تُحبك يا رسول الله: لأن المسجد الأقصى المبارك بالقدس كان القبلة الأولى للمسلمين منذ فُرضت الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، حتى أَذِنَ الله بتحويل القبلة إلى بيت الله الحرام، كما جاء في الحديث الشريف عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- يقول: (صَلَّيْنا معَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ بَيْتِ المَقْدسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً أو سَبَعةَ عَشَرَ شَهْراً ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الكَعْبَةِ).
كما أن المسجد الأقصى المبارك هو ثاني مسجد بُنِيَ في الأرض بعد المسجد الحرام، فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: (قلْتُ يَا رَسُولَ الله: أَيُّ مَسْجد وُضعَ في الأرْضِ أوَّل؟ قَالَ: اَلْمسجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: اَلْمَسجِدُ الأقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيه).
– القدس تُحبك يا رسول الله: لأنك قد أَثْنَيْتَ على المسلمين المقيمين فيها وأنَّ منهم الطائفة المنصورة إن شاء الله تعالى، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».
فبيت المقدس سيبقى إن شاء الله حصناً للإسلام إلى يوم القيامة على الرغم من المِحَن التي تعصف بالأمة، كما أن الطائفة التي لا تزال على الحق هي في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ومن المعلوم أن رسولنا –صلى الله عليه وسلم – قد رَغَّبَ في السكنى والمرابطة في هذه البلاد المباركة الطيبة، فبيت المقدس ثغرٌ من ثغور الإسلام، وللإقامة والرباط فيه أجر كبير، ولعدم مغادرته والهجرة منه ثواب عظيم، وهذه كلها من ثمار بركة بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
– القدس تُحبك يا رسول الله: لأنك طَالَبْتَ المسلمين بوجوب نُصرة أهلها، كما جاء في الحديث عن ميمونة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: «يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ:أَرْضُ الْمَحْشَر ِوالْمَنْشَر، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فيِه، فَإِنَّ صَلاَةً فِيِه كَأَلْف صَلاَة فِي غَيْرِهِ. قَلتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إليه؟ قال:» فَتُهْدِي لَهُ زَيْتاً يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذِلكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ».
ومن المعلوم أن الحديث الشريف يشتمل على حثٍّ من الرسول -عليه الصلاة والسلام – للمسلمين على الذهاب إلى بيت المقدس، ومن لم يستطع الذهاب إليه من العرب والمسلمين، فيجب عليه المحافظة على بيت المقدس، فهذه دعوة نبوية إلى الأمة الإسلامية بوجوب الوقوف مع المرابطين في بيت المقدس وضرورة دعمهم ومساندتهم؛ كي يبقوا ثابتين في بيت المقدس محافظين على مسرى الرسول -عليه الصلاة والسلام- من اعتداءات المعتدين صباح مساء.
لذلك فإننا نطالب أبناء الأمتين العربية والإسلامية ألاَّ ينسوا مسرى نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وأهله، وأن يعملوا جاهدين على المحافظة على المسجد الأقصى المبارك و مدينة القدس والمقدسات، فالواجب عليهم دعم أشقّائهم المقدسيين في شتى المجالات.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.