التطفل على النقد الفني التشكيلي يساهم في تذمر الحركة اكثر من تطويرها
يعتبر الفن التشكيلي من الفنون العريقة المتجدرة في القدم ما لم نقل إنه أسمى وأرقى الفنون في تاريخ البشرية حيث لعب أدوارا طلائعية في توضيح بعض خبايا الماضي البعيد من خلال الرسومات التي تركها الأجداد للأحفاد. والجديدة كمثيلاتها من المدن المغربية حقق الفن التشكيلي فيها قفزة مهمة على مستوى الكم والمضمون والشكل وتقنيات الإشتغال وأصبح إحدى أقوى أدوات التعبير على المشاكل والأفكار ,نرى من خلاله التطور الفكري والإجتماعي والإقتصادي و الثقافي في المدينة .
وبغض النظر على أن هناك من يحاول تبخيس هذه الحركية و هذا التطور .ومن يقول إن صراعات الوسط التشكيلي أكبر من إنجازاته .لابد من الإشارة إلى أن هذه الحركة التشكيلية الفتية لم تستطع إنجاب مولودها الشرعي الذي هو النقد التشكيلي كباقي الفنون بل الاخطر تكالب عليه متطفلين غرباء عن الميدان ونصبوا انفسهم اوصياء على الفن التشكيلي وخاصة داخل الجديدة ما ابعد الفن عن مصاره وسكته في التطور فمنح قيمة لبعضهم بان يرقوا الى سلم المجد على حساب فنانين متألقين بأعمالهم التي عجز هؤلاء المتطفلين تحليلها وتفحصها لجهلهم مقومات النقد ومكوناته هذه المقومات التي تعتبر حكما عادلا في النقاش الدائر بين العصاميين والأكاديميين والمتطفلين والدخلاء والوافدين والفنانين الأصلاء
.
وإسهاما مني ارتأيت أن أوضح بعض جوانب مقومات النقد التشكيلي لان الناقد له دور مهم في حياة الفنان وعمله.
يعد النقد التشكيلي احد الدعامات القوية والمتينة للعمل الفني في تقوية مكانته والرفع من مستواه لدا فالناقد الحقيقي لا يحق له أن يتدخل في مسار الفنان ومحاولة تصنيفه وتوجيهه ,ولا يحق له أن يقول له لو عملت كدا لكان أفضل أو لو استعملت هذا اللون لكان العمل أحسن .وجاء قي كلام هوبرت ريد ما قوله (إدا قلنا للفنان ما يجب عمله لم يعد الفنان فنانا ولا اللوحة لوحته ) تم إن النقد لا يقوم على أساس إظهار عيوب اللوحة بل هو وسيلة لتقريب العمل الفني إلى المتلقي حتى يعرف هذا الأخير(أي المتلقي)أسرار العمل الفني وأسباب نجاح اللوحة ومميزاتها ومقومات بنائها من الداخل وليس من حيث النتائج.إدا فالناقد هو وسيط مشترك بين العمل الفني والفنان والمتلقي مهمته أن يخلق جوا من الألفة و المحبة والتفاهم بينهم جميعا دون أن يمارس أسلوب التعالي أو أسلوب الخطاب من فوق المنبر .
كما يستوجب في الناقد أن لا يبحث على مواطن الضعف أكتر ما يبحث عن مواطن الجمال حتى لا يكون النقد هداما. فحسب الفيلسوف كانت (...الجمال الفني هو تمثيل جميل لشيء ما... ليس بالضرورة جميلا ) أما شارل لالو فقد أكد في قوله أن الفن الحقيقي هو الذي يصنعه الفنان .فسواء كان جميلا أو غير جميل فهذا الأمر يخص الفنان وحده و نحن إما نقبله أو نرفضه ...)
وفي نفس الوقت ليس مطلوبا من الناقد أن يكون حياديا أو كما يقولون موضوعيا بل لابد من أن يكون للناقد رأيه الشخصي و رؤيته الخاصة في تحليل أي عمل فني ونقده حتى يصبح النقد عملا فنيا في حد ذاته .لكن كلمة موضوعي قد يكون فيها ظلم كبير للفنان الباحث الذي يضع الموضوع كوسيلة لإظهار أفكاره وليس غاية بذاتها وكدالك إذا كان المقصود بالموضوعية هو الوصول إلى قواسم مشتركة اتفق عليه بعض الكتاب فهدا كدالك فيه اعتداء على الفنان :كأن يضع الناقد عمل الفنان في قفص له حدود ومواصفات وشروط ومقومات بعيدة غالبا عن مفهوم الحرية في الإبداع .لان حرية الفنان تتمثل في قدرته أن يقول +لا+ لجميع التعاليم والمعارف والخبرات السابقة عندما يقف أمام القماش .
من الممكن أن يدرس الناقد اللوحة على أساس قيم خاصة غير ظاهرة للعين المجردة ويأخذ الموضوع كأنه مجرد علاقات متوازنة متكاملة متعادلة متقابلة بصرف النظر عن وظيفة الأشكال أو العناصر الموجودة في اللوحة.
وختاما إدا كان الإبداع هو إيجاد ما لم يستطع إنسان عادي إيجاده أو ما لا تستطع الطبيعة إيجاده كما قال أفلاطون فالنقد مسالة تحتاج إلى ثقافة عملية وليست نظرية فقط حيت يجب على الناقد أن يقترب من الفنان ومن فنه وان يعيش اللوحة بكل أبعادها حتى يمكن القول أن النقد التشكيلي عملا فنيا قائما بذاته له أسسه ومقوماته لا تقل عن أهمية العمل الفني نفسه مادام فيه رأي وفيه البحث وفيه القيمة الإبداعية في التحليل لدا لابد من إعادة النظر في مفهوم النقد الصحفي الذي يعتمد على التوصيف وعلى الشرح السطحي وعلى الجمل الإنشائية المكررة التي قد تصلح لكل لوحة .
واخير وجب التذكير بان الناقد الفني يجب ان يكون فنان مارس التشكيل كما قال ميكائيل انج حتى يتمكن من امتلاك احساس فني ينطلق منه لتحليل عمل فني