مكانـة فلسطيـن في الإسلام / د. يوسف جمعة سلامة* / البصائر-
مكانـة فلسطيـن في الإسلام
المحرر الأربعاء 18 شوال 1441? 10-6-2020م
د. يوسف جمعة سلامة* /
تتعرض بلادنا المباركة فلسطين بصفة عامة، ومدينة القدس والمقدسات بصفة خاصة في هذه الأيام لهجمة شرسة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، حيث تقوم بالاعتداء على رُوَّاد المسجد الأقصى المبارك وقمعهم وملاحقتهم، وكذلك إقدامهم على إعدام شابٍّ من ذوي الاحتياجات الخاصة بدمٍ بارد، بالإضافة إلى منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفع الأذان في المسجد الإبراهيمي بالخليل ومنع المصلين من أداء الصلاة فيه، ومن المعلوم أن المسجد الأقصى المبارك بالقدس والمسجد الإبراهيمي بالخليل والمقدسات في فلسطين كافة هي ملك للمسلمين وحدهم وليس لغير المسلمين حقٌّ فيها.
كما تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي جاهدة على تغيير معالم مدينة القدس، من خلال هدم العديد من البيوت والوُرَش والمؤسسات، وما قرارهم قبل أيام بإزالة ما يقرب من مائتي بيت وورشة عمل ومحلات تجارية في حي الجوز بالقدس إلا دليل على ذلك.
كما تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتضييق على الخطباء والعاملين في المسجد الأقصى المبارك، الذين يحملون هموم الأقصى والقدس ويقومون بفضح الجرائم الإسرائيلية في المحافل العربية والإسلامية والدولية كافة، حيث تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمحاربة العلماء والقيادات المقدسية الدينية والوطنية بالتضييق عليهم، ومنعهم من القيام بواجبهم تجاه المسجد الأقصى والقدس والمقدسات، ومن ذلك قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باستدعاء الشيخ الدكتور/ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس خطيب المسجد الأقصى المبارك قبل أيام وإبعاده عن الأقصى لمدة أسبوع، ويأتي ذلك ضمن إستراتيجية مُمَنهجة تهدف إلى الحَدِّ من دورهم وتحركاتهم ونشاطاتهم، التي تهدف دائماً إلى حشد الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية لنصرة المسجد الأقصى المبارك.
فلسطيـــن أرض مباركــــة
يقول الله –سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
قال ابن كثير-رحمه الله – في تفسير الآية السابقة: «يُمَجِّد تعالى نفسه، ويُعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحدٌ سواه، فلا إله غيره ولا ربَّ سواه، {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} يعني محمداً –صلى الله عليه وسلم – {لَيْلاً}: أي في جنح الليل، {مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }: وهو مسجد مكة {إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل -عليه السلام-، ولهذا جُمعوا له هناك كلهم، فأمّهم في محلتهم ودارهم، فَدَلَّ على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين».
فلسطين أرض مقدسة
يقول الله -سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ}.
جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير للصابوني في تفسير الآية السابقة: «المراد بالأرض المقدسة: بيت المقدس وما حوله».
كما جاء في تفسير التحرير والتنوير للإمام ابن عاشور في تفسير الآية نفسها: «والأرض المقدسة بمعنى المطهّرة المباركة، أي التي بارك الله فيها، وهي هنا أرض كنعان، وهذه الأرض هي أرض فلسطين».
والآية تشتمل على خطاب موسى -عليه الصلاة والسلام – لقومه بدخول الأرض المقدسة، وفيها دليل على أن القدس وفلسطين مُقَدَّسة في الأزل، قبل أن يَحِلَّ بها قوم موسى؛ لأن وجود المسجد الأقصى في القدس بفلسطين قبل حلول بني إسرائيل في فلسطين، وقبل أنبياء بني إسرائيل الذين يزعم اليهود وراثتهم.
فلسطين عقر دار المؤمنين وأرض المرابطين
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأَوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».
عند دراستنا للحديث النّبوي السابق نتعرف على فضل بلاد الشام عامة وفلسطين خاصة، حيث بَيَّنَ الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأن الخير سيبقى في هذه الأمة، كما أثنى -صلى الله عليه وسلم – على المسلمين المقيمين في بيت المقدس وأنَّ منهم الطائفة المنصورة إن شاء الله، فبيت المقدس سيبقى إن شاء الله حصناً للإسلام إلى يوم القيامة على الرَّغْم من المِحَن التي تعصف بالأمة.
إنّ الطائفة التي لا تزال على الحق هي في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ومن المعلوم أن رسولنا –صلى الله عليه وسلم – قد رَغَّبَ في السُّكْنَى والمرابطة في هذه البلاد المباركة الطيبة، فبيت المقدس ثغرٌ من ثغور الإسلام، وللرباط فيه أجر كبير، وللإقامة فيه وعدم مغادرته والهجرة منه ثواب عظيم، وهذه كلها من ثمار بركة بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فخير الجهاد الرباط، وخير الرباط رباط عسقلان، كما جاء في الحديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -: «…فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلانُ».
إنّ أرض فلسطين هي أرض الإيمان والرباط والجهاد، لذلك فقد وَجَّه الإسلام أنظار المؤمنين إليها للمرابطة فيها، حيث بَيَّنَ نبينا-صلى الله عليه وسلم – فضل الرباط في سبيل الله، كما جاء في الحديث: عن سهل بن سعد الساعديِّ -رضي الله عنه – أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا…»، كما رُوِيَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمِطِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ»، وجاء في حديث آخر عن النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنه قال: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ».
وعند دراستنا لواقع فلسطين والمدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك، فإننا نرى. والحمد لله تزايد أعداد المرابطين الصامدين الصابرين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس من أهلنا الأعزاء في المدينة المقدسة بصفة خاصة ومن أهلنا في الداخل الفلسطيني بصفة عامة، الذين يَفْدُون المسجد الأقصى بأرواحهم ويدافعون عنه ضدَّ المحتلين الذين يستبيحون حُرُماته وَيُدَنّسون ساحاته، وذلك على الرغم من قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإغلاقات لشوارع المدينة المقدسة وبلداتها ومداخلها ونصب للحواجز العسكرية، بالإضافة إلى عمليات تفتيش وتضييق على المقدسيين وحركة تنقلهم ومنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك؛ بهدف تأمين الحماية الكاملة للمستوطنين أثناء اقتحاماتهم للمسجد الأقصى المبارك وأداء شعائرهم التلمودية.
واجب الأمة تجاه فلسطيـن
إن فلسطين بقعة مباركة، بل هي من أقدس البلاد وأشرفها، ولها في قلوب المسلمين جميعاً مكانة سامية، فهي أرض النبوات، وتاريخها مرتبط بِسيَرِ الرّسل الكرام –عليهم الصلاة والسلام-، ويُعَدُّ ارتباط المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالأقصى والقدس وفلسطين ارتباطاً عقديًّا، وليس ارتباطاً انفعالياً عابراً ولا موسمياً مؤقتاً؛ لأن حادثة الإسراء من المعجزات والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، ومن هنا فلا بُدَّ لكل مسلم أن يعي تماماً واجبه والدور المنوط به تجاه المسجد الأقصى والقدس وفلسطين .
لذلك فإننا نطالب أبناء الأمتين العربية والإسلامية ألاَّ ينسوا مسرى نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وأهله، وأن يعملوا جاهدين على المحافظة على المسجد الأقصى المبارك و مدينة القدس وجميع المقدسات في فلسطين، فالواجب عليهم دعم أشقّائهم المقدسيين في شتى المجالات؛ كي يبقوا مرابطين ثابتين فوق أرضهم المباركة؛ لأن المواطن المقدسي هو الذي يُدافع عن الأقصى والقدس والمقدسات صباح مساء، وما موقفهم المُشَرّف في قضية البوابات الإلكترونية والكاميرات الخفية، وفتح مُصَلَّى باب الرحمة عنا ببعيد!.
نسأل الله أن يحفظ فلسطين والقدس والأقصى وسائر بلاد المسلمين من كل سوء. وصلى الله على سيدنا محمد T وعلى آله وصحبه أجمعين.
* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.