فضاءات قوص

قوص

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب الشنهوري
مسجــل منــــذ: 2013-10-27
مجموع النقط: 1188.8
إعلانات


قَضاء حَوائِج النّاسِ

قَضاء حَوائِج النّاسِ

..

فِي قَضاءِ حَوائِجِ النّاسِ وَالسَّعْي عَلَيْها فَضْلٌ عَظِيْمٌ ، وَنَشْرٌ لِلمَحَبَّةِ بَيْنَ أفْرادِ المُجْتَمَعِ ، وَقُرْبَى مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ فقَدْ أوْصَى بٍها اللهُ –سُبْحانَهُ وَتَعالَى- فِي كِتابِهِ الكَرِيمِ ، وَذلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعالَى فِي سُورَةِ "الحَج"77ّ:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ..

وَجَعَلَ القِيامَ عَلَيْها مِنْ بابِ التَّعاونِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الذِي أمَرَنا بِهِ حِيْثَ قالَ فِي سُورَةِ"المائِدَة" :

{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ..

قالَ العَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ رَحمَهُ اللهُ :

(أيْ: لِيُعِنْ بَعْضُكُم بَعْضاً عَلَى الْبِرِّ، وَهُو اسْمٌ جامِعٌ لِكُلِّ ما يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضاهُ مِنَ الأعْمالِ الظَّاهِرَةِ وَالباطِنَةِ مِنْ حُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ الآدَمِيِّيْنَ)اهـ.

وَلا يَقْتَصِرُ السَّعْي فِي قضاءِ حَوائِج النَّاسِ عَلَى النَّفْعِ المادِّيِّ فَقَطْ ، وَلَكِنَّهُ يَمْتَدُّ لِيَشْمَلَ النَّفْعَ بالعِلْمِ ، وَالنَّفْعَ بالرَّأي ، وَالنَّفْعَ بالنَّصِيْحَةِ وَالمَشُورَةِ ، وَالنَّفْعَ بالجاهِ وَبالسُّلْطانِ .

وَمِنْ نِعَمِ اللهِ تَعالَى عَلَى العَبْدِ:

* أنْ يَجْعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ وَالإحْسانِ , مِغْلاقًا لِلشَّرِّ وَالإساءَةِ.. عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ –رَضِي اللهُ عَنْهُ -عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، قَالَ:

«عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْر ِوَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ»..

أخْرَجَهُ ابنُ ماجَه وَالطَّبَرانِيُّ، وَحَسَّنَهُ الألْبانِيُّ فِي" صَحِيْحِ الجامعِ".

* وَأنْ يُسَخِّرَهُ لِقَضاءِ حَوائِج النَّاسِ..عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رَضِي اللهُ عَنْهُما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :

«إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ »..

أخْرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ ، وابنُ عَساكِرَ، وَقالَ الهَيْثَمِيُّ: رَواهُ الطَّبَرانِيُّ وَضَعَّفَهُ ، وَحَسَّنَ حَدِيْثَهُ ابنُ عديّ.. وَقالَ الألْبانِيُّ فِي"صَحِيْحِ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ": حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:

« كَانَتِ الصَّلاَةُ تُقَامُ، فَيُكَلِّمُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الرَّجُلَ فِي حَاجَةٍ تَكُونُ لَهُ، فَيَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ، فَمَا يَزَالُ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ لَيَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ»..

أخْرَجَهُ أحْمَدُ وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ .

وَعَنْ أَبِي بَرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، قالَ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ ، أَو ْطُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قال : «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا».. وَيقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ.

أخْرَجَهُ أحْمَدُ وَالبُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأبُو داودَ.

بَلْ إنَّ قَضاءَ حَوائِجِ النّاسِ وَالسَّعْي إلَيْها مِنْ أحَبِّ الأعْمالِ وَأعْلاها وَأزْكاها عِنْدِ اللهِ تَعالَى , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رَضِي اللهُ عَنْهُما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :

«أحَبُّ النّاسِ إلَى اللهِ أنْفَعُهُم لِلناسِ ، وَأحَبُّ الأعْمالِ إلَى اللهِ سُرُور ٌتُدْخِلُه عَلَى مُسْلِمٍ أوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً أوْ تَقْضِى عَنْهُ دَيْناً أو ْتَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً ، وَلِأَنْ أمْشِيَ مَعَ أخِي المُسْلِمِ فِي حاجَةٍ أحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ فِي هَذا المَسْجِدِ شَهْرًا ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَر َاللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ – وَلَو ْشاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضاهُ مَلأ اللهُ قَلْبَهُ رِضًا يَوْمَ القِيامةِ ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أخِيْهِ المُسْلِمٍ فِي حاجَةٍ حَتَّى تَتَهَيَّأَ لَهُ أثْبَتَ اللهُ قَدَمَه يَوْمَ تَزِلُّ الأقْدامُ، وَإنَّ سُوْءَ الخُلُق لَيُفْسِدُ العَمَلَ كَما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ»..

أخْرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ فِي"الأوْسَطِ"وَفِي"الكَبِيْر"وَفِي" الصَّغِيْرِ"، وَابنُ أبِي الدُّنْيا فِي كِتابِ"قَضاء الحَوائِجِ"، وَحَسَّنَهُ الألْبانِيُّ فِي"صَحِيْح الجامِعِ".

كَما أنَّ فِي قَضاءِ حَوائِجِ النّاسِ وَالسَّعْي إلَيْها سَبَبًا لأنْ يَكُوْنَ اللهُ تَعالَى فِي عَوْنِ العَبْدِ وَحاجَتِهِ كَما كانَ فِي عَوْنِ أخِيْهِ وَحاجَتِهِ..عَنْ سَالِمٍ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

«الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ –عَزّ َوَجَلَّ- فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ –عَزَّوَجَلَّ- عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»..

أَخْرَجَهُ أحْمَد ُوَالبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأبُو داودَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

كان خالِدُ القَسْرِيُّ يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ:

أيًّها النَّاسُ عَلَيْكُم بالمَعْروفِ فإنَّ فاعِلَ المَعْروفِ لا يَعْدَمُ جَوازِيَهُ، وَما ضَعُفَ عَنْ أدائِهِ النَّاسُ قَوِي اللهُ عَلَى جَوازِيَهُ .

وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَضاءِ حَوائِجِ النّاسِ بابًا عَظِيْمًا لِلخَيْرِ فقَدْ أخْرَجَ ابنُ أبِي الدُّنْيا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

«إنَّ للهِ عِبادًا اخْتَصَّهُم بِقَضاءِ حَوائِجِ النّاسِ ، حَبَّبَهُم إلَى الخَيْرِ، وَحَبَّبَ الخَيْر َإلَيْهِمْ ، هُمُ الآمِنُونَ مِنْ عَذابِ اللهِ يَوْمَ القِيامَةِ»..

وَجَدِيْرٌ بالذِّكْر ِأنَّهُ قَدْ شُرِعَتْ فِي الإسْلامِ صَلاةٌ تُسَمَّى صَلاة الحاجَة.. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى الأَسْلَمِىِّ قَالَ:

«خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اللَّهِ أَو ْإِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرّ ٍوَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ ، إِثْمٍ أَسْأَلُكَ أَلاَّ تَدَعَ لي ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ وَلاَ حَاجَةً هي لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا لي، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ»..

أَخْرَجَهُ ابنُ ماجَة وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَلَقَدِ اقْتَدَى الصَّحابَةُ الكِرامُ- رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعِيْنَ - بالنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحِرْصِ عَلَى السَّعْي مِنْ أجْلِ قضاءِ حَوائِج النَّاسِ, وَكانُوا يَكْتِبُونَ إلَى وَلاتِهِم بِذلِكَ, فَقَدْ كَتَبَ عُمَر ُبْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ :

(إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِلنَّاسِ وُجُوهٌ يَرْفَعُونَ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ ؛ فَأَكْرِمْ وُجُوهَ النَّاسِ ، فَبِحَسْبِ الْمُسْلِمِ الضَّعِيفِ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُنْصَفَ فِي الْحُكْمِ وَالْقِسْمَةِ) .

وَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ،عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ ، يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ فَشَرِبَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهْوَ قَائِمٌ ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا ، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ.

أَخْرَجَهُ أحْمَدُ وَالبُخَارِيُّ وَأبُو داودُ وَالتِّرْمِذِيُّ"فِي الشَّمائِلِ".

وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لِمُعَاوِيَةَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:

مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ ، وَالْخَلَّةِ ، وَالْمَسْكَنَةِ، إِلاَّ أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ ، وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ .

أَخْرَجَهُ أحْمَدُ وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَكانَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أغْنامَهُم ، فلَمَّا اسْتُخْلِفَ قالَتْ جارِيَةٌ مِنْهُم :

الآنَ لا يَحْلِبُها ، فقالَ أبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَإنِّي لأرْجُو أنْ لا يُغَيِّرُنِي ما دَخَلْتُ فِيْهِ عَنْ شَيءٍ كُنْتُ أفْعَلُهُ .

وَلَقَدْ كانَ عُمَرُ يَتَعاهَدُ الأرامِلَ يَسْتَقِي لَهُنَّ الماءَ باللَّيْلِ ، وَرَآهُ طَلْحَةُ باللَّيْلِ يَدْخُلُ بَيْتَ امْرَأةٍ ، فدَخَلَ إلَيْها طَلْحَةُ نَهارًا، فإذا هِي عجُوزٌ عَمْياءُ مُقْعَدَةٌ فَسَألَها:

ما يَصْنَعُ هَذا الرَّجُلُ عِنْدَكِ؟ قالَتْ: هَذا مُذْ كَذا وَكَذا يَتَعاهَدْنِي يَأتِيْنِي بِما يُصْلِحُنِي وَيُخْرَجُ عَنِّي الأذَى..

فقالَ طَلْحَةُ: ثَكَلَتْكَ أمُّكَ يا طَلْحَةُ ، أعَوَراتُ عُمَرَ تُتَّبَعُ؟.

وَكان عَلِيٌّ بنُ الحُسَيْنِ - رَحمَهُ اللهُ - يَحْمِلُ الخُبْزَ إلَى بِيُوتِ المَساكِيْنِ فِي الظَّلامِ ، فلَمَّا ماتَ فَقَدوا ذَلِكَ ، كانَ ناسٌ مِنْ أهْلِ المَدِيْنَةِ يَعِيْشُونَ وَلا يَدْرونَ مِنْ أيْنَ مَعاشُهُم ، فلَمَّا ماتَ عَلِيٌّ بنُ الحُسَيْنِ فَقَدوا ذَلِكَ الذِي كانَ يأتِيْهُم باللَّيْلِ .

يَقُولُ ابنُ عَبَّاسِ رَضِي اللهُ عَنْهُ :

(مَنْ مَشَى بِحَقِّ أخِيْهِ إلَيْهِ لِيَقْضِيَهُ فلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ صَدَقَةٌ).

وَعَنْهُ أيْضًا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ:

« ما مِنْ عَبْدٍ أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فأسْبَغَها عَلَيْهِ ثمَّ جَعَلَ مِنْ حَوائِجِ النَّاسِ إلَيْهِ فتَبَرَّمَ فَقَدْ عَرَّضَ تِلْكَ النِّعْمَةَ لِلزَوال»..

وَلِإدْرَاكِ ابنِ عَبَّاسِ مَدَي أجْرِ وَفَضْلِ قَضاءِ الحَوائِجِ فَقَدْ تَرَكَ اعْتِكافَهُ فِي المَسْجِدِ لِيَمْشِي فِي حاجَةِ أخٍ لَهُ ، وَذَلِكَ عَمَلاً بما رُوي عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ قالَ:

« مَنَ مَشَى فِي حاجَةِ أخِيْهِ كانَ خَيْراً لَهُ مِنِ اعْتِكافِهِ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْمًا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثلاثَةَ خَنادِقَ كُلُّ خَنْدَقٍ أبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ الخافِقَيْنِ»..

وَقالَ مجاهِدٌ:

صَحِبْتُ ابنَ عُمَرَ فِي السَّفَرِ لأخْدِمُهُ فكانَ يَخْدِمُنِي..

قِيْلَ لابْنِ المُنْكَدِرِ: أيُّ الأعْمالِ أفَضَلُ ؟ قالَ :

إدْخالُ السُّرورِ عَلَى المُؤمِنِ..قِيْلَ: أيُّ الدُّنْيا أحَبُّ إلَيْكَ ؟ قالَ: الإفْضالُ عَلَى الإخْوانِ..أيْ:"التَّفَضًّلُ عَلَيْهِم وَالقِيامُ بِخِدْمَتِهِم" .

وَقالَ وَهْبُ بنُ منْبهٍ :

إنَّ أحْسَنَ النَّاسِ عَيْشاً مَنْ حَسُنَ عَيْشُ النَّاسِ فِي عَيْشِهِ، وَإنَّ مِنْ ألَذِّ اللَّذَّةِ الإفْضالُ عَلَى الإخْوانِ ..

وَذَكَر َابنُ القيِّمِ - رَحمَه اللهُ - فِي وَصْفِهِ لشَيْخِ الإسْلامِ ابنِ تَيْمِيَةَ أنَّهُ كانَ يَسْعَى سَعْيَا شَدِيْدًا لِقَضاءِ حَوائِجِ الناسِ .

وَالإسْلامُ يَنْظُر ُإلَى الوَظِيْفَةِ العامَّةِ باعْتِبارِها أمانَةً وَ خِدْمَةً عامَّةً ، فَفِي هَذا المَجالِ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

«مَنْ وَلِي مِنْ أمْرِ المُسْلِمِيْنَ شَيْئًا فاحْتَجَبَ عَنْهُم احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ»..

وَقَدْ عَبَّرَ الشِّعْرُ العَرَبِيُّ عَنْ هَذِهِ الفَضِيْلَةِ وَأعْلَى مَنْ شأنِها وَشَأنِ العامِلِيْنَ بِها.. قالَ أبُو الفَتْح البُسْتِيُّ :

أحْسِنْ إلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدُ قُلُوبَهُم

----------- فطالَما اسْتَعْبَدَ الإنْسانَ إحْسانُ

وَكُنْ عَلَى الدَّهْرِ مِعْوَانًا لِذي أمَلٍ

---------- يَرْجُـــــو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ

وَاشْـدُدْ يَدَيْكَ بحَبْـلِ اللهِ مُعْتَصِمًا

---------- فـــــإنّهُ الرّكنُ إنْ خانَتْكَ أرْكانُ

مَنْ كــانَ لِلْخَيْرِ مَنّاعًا فَلَيْسَ لَهُ

---------- عَلَى الحَقِيْقَةِ إخْــــوانٌ وَأخْدانُ

مَنَ جادَ بالمالِ مالَ النّاسُ قاطِبَةً

---------- إلَيْهُ ، وَالمــــــالُ لِلإنْسان فَتّانُ

وَقالَ الحُطَيْئَةُ :

-------------------------------------------

مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لا يَعْدَمُ جَوازِيَهُ

------------- لا يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ

-------------------------------------------

وَقالَ أحَدُهُم مُعاتِبًا مَنْ تَباطَأ فِي قَضاءِ حاجَةٍ لَهُ :

---------------------------------------

حَوَائِجُ النَّاسِ كُلُّهَا قُضِيَتْ

------------ وَحَــــاجَتِي مَا أَرَاكَ تَقْضِيهَا

أَنَاقَةُ اللهِ حَاجَتِي عُقِرَتْ

----------- أَمْ أُنْبِتَ الْحُرْفُ فِي حَوَاشِيهَا

وَالحاجاتُ لا تُطْلَبُ إلَّا مِنْ أهْلِ الإخْلاصِ الذِيْنَ يَسْعُوْنَ لِقَضاءِ حَوائِجِ النَّاسِ طَلَبًا لِمَرْضاةِ اللهِ تَعالَى وَلَيْسَ مِنْ أجْلِ مَصْلَحَةٍ أوْ وَجاهَةٍ أوْ شُهْرَةٍ.. عَنْ طَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَقِفُ الْمَوْقِفَ أُرِيدُ وَجْهَ اللهِ ، وَأُرِيدُ أَنْ يُرَى مَوْطِنِي ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَزَلَتْ:

{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف110].

رَواهُ الحاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ ،وَقالَ :هَذا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ .

كَما أنَّ الحَوائِجُ تُطْلَبُ مِنَ الكِرامِ وَلَيْسَ مِنَ اللِّئامِ ..قالَ أبُو الأسْوَدِ الدُّوؤلِيُّ:

وَإذا طَلَبْتَ إلَى كَرِيْمٍ حاجَةً

-------------- فلِقــــاؤهُ يَكْفِيْكَ وَالتَّسْلِيْمُ

وَإذا طَلَبْتَ إلَى لَئِيْمٍ حاجَةً

-------------- فألِحّ فِي رِفْقٍ وَأنت مُدِيْمُ

--------------------------------------

وَقالَ أبُو العَتاهِيَةَ :

-------------------------------------

اقْضِ الحَوائِجَ ما اسْتَطعْتَ

-------------- وَكُنْ لِهَــــمِّ أخِيْكَ فارِج

فَلَخَيْرِ أيَّـــــــــــــــامِ الفَتَى

-------------- يَوْمٌ قًضِي فِيْهِ الحَوائِج

فكُنْ – أيُّها الحَبِيْبُ – فِي قَضاءِ حَوائِج النَّاسِ يَكُنِ اللهُ تَعالَى فِي قَضاءِ حاجَتِكَ , وَاسْعَ لِتَفْرِيْجِ كُرُباتِهِم يُفَرّجُ اللهُ عَنْكَ كُرُباتِ الدًّنْيا وَالآخِرَةِ ..

فما أشَدَّ حِرْمانَ مَنْ لَمْ يُوَفَّقُ لِقَضاءِ حَوائِجِ النَّاسِ ، وَأشَدًّ مِنْهُ خَسارَةً وَبُؤسًا وَحِرْمانًا مَنْ سَعَى فِي تَعْطِيْلِها ، وَمَنْ جَعَلَ اللهُ حاجَةَ النَّاسِ إلَيْهِ فبَدَأ يَتَبَرَّمُ وَيَضِيْقُ بِتِلْكَ الحاجاتِ .

اللَّهُمَّ ، إنَّا نَسْألُكَ بِنُوْرِ وَجْهِك الكَرِيم الذِي أشْرَقَتْ لَهُ السَّمَواتُ والأرْضِ وبِاسْمِك العَظِيْمِ أنْ تَقْبَلَنَا وتَرْضَى عَنَّا رِضًا لا سَخَطَ بَعْدَهُ أبَدًا ..

اللَّهُمَّ ، يَا عَظِيمَ الْعَفْو، يَا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ ، يَا قَرٍيبُ الرَّحْمَةِ ، يَا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هَبْ لَنَا العَافِيةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، واجْعَلْنا سَبَبًا فِي قَضاءِ حَوائِجِ النَّاسِ وإنْفاذِ أمُورِهِم.

_________________


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة