تاريخ الملحون بآزمور نبش في ذاكرة " الحاج أحمد برقية "
محمد الصفى :
آزمور ، أو كما يحلو لي دائما أن أسميها " عاشقة المجانين " مدينة مريضة بداء فقدان التذكر ، آزمور التي أعشقها حتى النخاع ، ذاكرة مضببة ، ضبابا ليس له آخر ، فهو ليس آتيا من البحر أو النهر بل من الذاكرة ، و لعشقي الشديد لها دفعتني نزعة فضولي الظريفة إلى النبش في بعض تراثها الضائع مع معمارها و حرفييها و بساتينها و بساطة عيشها أيام النزاهة و الطنجية و " قصاير " الملحون على ضفاف نهرها الخالد الذي كان عذبا رقراقا دائم الجريان .
إن الحديث عن مدينة من حجم آزمور بتاريخها العريق و عاداتها المتجدرة و تراثها الغني لا يحلو إلا بالتحدث عن فن ميزها لفترة طويلة و شاءت الأقدار أن ينسب لمدن أخرى من خلا ل أسماء رجالاته و فطاحلتهم إنه فن الملحون كفن من فنون القول الموزون ، حديث يجرنا إلى نبش في ذاكرة شيوخ مدينة آزمور و ما لحقهم من نسيان أو تناسي ما أبدعوه و أمتعوا به جيلهم و ما زال ، حالة تعتيم مرعبة رغم وفرة و أهمية المنتوج و لأني لست متخصصا و لا أملك مفاتيح هذه البوابة الموصدة ، أترك لمن لهم أكثر مني اهتماما و تاريخا للقيام بهذا العمل .
اسماء كثيرة أنجبتها هذه المدينة القابعة بين منابع الالهام و العطاء و نخص بالذكر ن بنمسعود الحجام ، العذراوي ، برقية و غيرهم كثير لكن يظل شيخهم و رائدهم الحاج أحمد برقية قطبا متميزا بكلل المعايير من بين كل هؤلاء ، و بقراءة في سيرته نجد أن هذا الشيخ الورع قد نشأ بين أحضان عائلة يشهد لها بالصلاح و الزهد و النفوذ الروحي ، تلقى تعليمه على يد أحد فقهاء المدينة القديمة حيث حفظ القرآن كله عن ظهر قلب كما حفظ العديد من المتون و الروايات المختلفة في قراءة القرآن و نصوص منتورة و أخرى منظومة ، بعد ذلك أرسله والده إلى فاس حيث أتمم تعليمه و تكوينه العلمي و الديني بجامعة القرويين فكان شعلة يفتخر بها و هناك التقى بشيوخ الملحون سواء الذين كانو من أزمور كالحاج بنمسعود الحجام و غيره و تلقن على أيديهم الكثير إضافة إلى هذا فقد كان ينتمي إلى الزاوية الدرقاوية التي كانت تتميز بالتصوف و الزهد و نكران الذات حتى أنه وهب كل ميراته و أصبح يشتغل بدكة السراويل و مجادل الشكاير كمصدر عيش له حيث لم تبق له سوى دار بدرب المريقات كان قد أهداها إياه السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان ، كان رحمه الله سجايا ( شاعرا ) فاز بعدة جوائز تبارى فيها كبار شيوخ الملحون أمثال الشيخ التهامي المدغري و عم ذلك كان شديد التواضع و الشعبية لدى الجميع .
لقد تطرق شيخنا الحاج أحمد برقية لجميع الأغراض التي تناوها الشعر العربي الفصيح فقد نظم في وصف الطبيعة و هي قصائد تسمى " الربيعيات " أو " العرصة " و نظم في الحكم و التي هي " الوصايا " أو " النوبة " كما نظم في المدح ، غير أن الذي برع فيه هو " الهجاء " أو " ما يسمى عند أهل الملحون ب " الشحط " أو " الدق " أو " الفضيحة " إضافة إلى الرثاء " العزا " أو " العزو "
و هذه نماذج من سجاياه :
جمهور الصالحين :
غيروا يا ضمان البلاد رجال أزمور لسياد
أنعم السادات لسناد بكم يسعد بالي
الجار :
عار الجار على الجار أجاري ياك الجار
ما يخون جارو
مالك احكمت حكام الجور و بقى رسمي مهجور
اجتماعيات :
عمدت لسواق بلهته ، غابو أهل التقى ..و لسون الفجار ناطق
بالفحش المطلاق و اغبر الحق الظاهر لحقيق
و من هذا يجب الإشارة إلى أن ذاكرة آزمور في رجالات الملحون بها كثيرة و ما اقتصارنا على قطبها الحاج برقية أحمد إلا نبش بسيط لا يعني تجاهلنا لبقية شيوخ الملحون بهذه المدينة التي كتب عليها أن تفقد بطاقة هويتها كالشيخ بنمسعود الحجام و العذراوي و اسماعيل الشوفاني و بلبصير و واجو و سي محمد بالمهدي فرحات ... لكني آمل أن يأخدوا حقهم إلى النبش ممن يدفعهم حب البلدة و الغيرة إلى النبش في خبايا ذاكرة مدينة كريمة معطاء مدينة كما أسلفت و قلت عاشقة المجانين لآني مجنون بعشقها ، مدينة أعطت و تعطي و ستعطي إلى أبد الآبدين .