الرئيس الجزائري الصنديد.. الذي نريد/ أ. د. عبد الرزاق قسوم
الرئيس الجزائري الصنديد.. الذي نريد/ أ. د. عبد الرزاق قسوم
المحرر الأربعاء 17 صفر 1441? 16-10-2019م
جزائرنا الحبيبة، الجريحة، التي عمّق جراحها الفساد والاستبداد، ها هي تبعث من أعماق معاناتها، بنداء نجدة واستغاثة. إنها تهيب بالخلَّص من أبنائها، أن يسعفوها، وأن يخرجوها من هول ما هي فيه.
لقد أتى على جزائر العلماء والشهداء عقود من الدهر، طمست فيه معالم وجودها واستبيحت فيه حمى حدودها، وامتدت الإرادات والقوى الخبيثة إلى محاولة السطو على حدودها.
وفي خضم الحراك الوطني المتنامي، وفي تزايد التأزم الطامي، تشرئب الأعناق إلى موعد ديسمبر المجيد، عسى الله أن يمن علينا فيه بالرئيس الصنديد، السديد الذي سيغير ما بالوطن ويعيد، ويزيد.
إنه بالرغم من تزايد الطموحات، والسباق اللا متكافئ، واللا متزن نحو الترشيحات للرئاسيات، فإن ذلك- بالرغم مما يحمل من تناقضات هو علامة صحة، لما نشهد من تحولات؛ كما أنه انتصار على دعاة القطيعة للانتخابات.
ولئن كنا نحترم كل الآراء، ونرحب بكل المخالفين من الشركاء، فإننا نعتقد أن الوصل خير من الفصل، في الاحتكام إلى ما يجنب الجزائر الوقوع في خندق المناوئين من الأعداء.
ينبغي على الوطنيين الشرفاء العقلاء أن يغلبوا العقل على العواطف الانفعالية الهوجاء، خصوصا في ما تعيشه الجزائر اليوم من تقلبات، ومن ضربات في العلن وفي الخفاء.
فلن تحتمل الجزائر المزيد من التدهور الاقتصادي، ولا المزيد من تردي حياة البلاد والعباد، والمتاجرة بمقومات الهوية ووضعها في صفقات المزاد.
لابد – إذن – من رئيس، نختاره بكل حرية وإرادة، ونوفر له المناخ المناسب، لتحرير الشهادة، ووضع المعايير الكفيلة بتقديم الرجل المناسب، لتولي القيادة، بكل جدارة واقتدار وسيادة.
فقد علمتنا التجارب المريرة، التي أوقعتنا في المطبات الخطيرة، بسبب تولي ذوي النيات الخبيثة، وفاسدي الضمائر، وسَيّئي السريرة، أن لا نقع من جديد على من يتولانا ليقودنا – كالبهم – نحو الحظيرة.
وما دمنا نتطلع إلى تحديد الوسائل، والبحث عن خير البدائل، ووضع الشروط لذلك بالاعتماد على أفضل الدلائل، فإنه من واجبنا أن نفتح العقول، والعيون، ونحتكم إلى الحكمة الوطنية، والكفاءة العلمية، في تقرير المصائر والشؤون؛ فنضع الموازين القسط لمن يصلح لقيادتنا، ويستجيب لإرادتنا، وينقذ مقومات سيادتنا، ولا يُدار من خارج مستشفانا، وديواننا، ومتطلبات سعادتنا.
فمن هو الرئيس الصنديد، الجديد، المجيد الذي يكون – كما نريد؟
إن الجزائر، والحمد لله، تعج بالكفاءات والقدرات، المؤهلة لتحمل المسؤوليات، كي يتم الفرز على أساس المعايير الموضوعية، وليس على أساس الولاءات، أو الانتماء للعصبيات.
ومن المعايير التي نضعها لاختيار الرئيس الجديد الذي نريد، ننصح بهذا المفيد:
إن الرئيس في القيادة السياسية، هو أشبه ما يكون بالإمامة الدينية، فكلا منهما يأتم الناس به في الدين والدنيا، ومن هنا فإن كلا منهم ينبغي أن يتمتع بالحرية الكاملة في إمامته، وقيادته، وسيادته، فلا يدين في ما يقوم به إلا لله وللوطن، ولا يأتي من الأحكام والقرارات إلا ما يأتيه ذوو العقول والفِطن.
2- أن يكون، الرئيس المراد، ذا كفاءة علمية شمولية، فلا يعاني من أية عقدة نقص، ولا يكون تحت رحمة أي شيطان أو لص، فالقدرة العلمية، والمؤهل العقلي، هما الدعامتان اللتان، يجنب أي رئيس منتخب، الشعور بالنقص أمام رؤساء العالم، ممن آتاهم الله بسطة في العقل، والعلم، والجسم.
3- أن ينبثق رئيسنا من أصول عريقة في الجهاد والوطنية، فيحمل في عروقه الغيرة على الوطن وسيادته، وعلى المواطن وكرامته، وبذلك يكون مُحصَّنا، ضد داء فقد المناعة الوطنية، أو الثقافية أو الإيديولوجية.
4- أن يتحلى بالفطنة، والحنكة، والذكاء حتى لا يؤخذ من بوابة غفلة الصالحين، أو سذاجة المغفلين، فتنصب له الفخاخ بمختلف أساليبها، وتُقَدَّمُ له المغريات بتعدد أحابيلها في الداخل والخارج، فينسل منها كما تسل الشعرة من العجين.
5- أن يكون لَبِقًا في البيان، وحذقا في استخدام اللسان، ومتحكما في مخاطبة السياسيين والإعلاميين، بالعلم والحكمة والبرهان.
إن الوعي، بما تواجهه، وستواجهه الجزائر من تحديات، ينبغي أن يكون في عين وضمير الرئيس الجديد الذي نريد. فأعداؤنا في الداخل والخارج سوف يعملون على تشجيع اختيار العميل الذي يخدم مصالحهم، ويسخر اقتصاد وسياسة الوطن لنفوذهم وإرادتهم، وإذا علمنا ما قد يُسخّر من مال فاسد، وفكر مفسد وكلاهما متوفر، اليوم، نتيجة التجربة القاسية التي مررنا بها؛ إذا علمنا هذا أدركنا حجم الخطورة الملقاة على عاتق الرئيس الجديد، وأيقنا ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقنا نحن الشعب، في الإقبال على الانتخاب، وحسن اختيار الصالح من المترشحين، والعمل على حماية الاقتراع من المزورين، والمفسدين…
إن أولوية الأولويات للرئيس الجزائري المقبل، هي أن يعيد الجزائر إلى ذاتها، ويزيل قبح الإنسلاب الثقافي عن ألسنتها، وواجهات عمارتها بعد أن شوه معالمها المغتربون والمغربون، واقتلعها من أصولها الخونة، والمفسدون.
فحذار أن نقع في المقدمات الفاسدة التي قد تعيدنا إلى نتائج التجربة السابقة، وليس العيب أن نسقط، كما وقع لنا، ولكن العيب كل العيب، أن لا نستخلص العبرة مما وقع لنا، فالمؤمن لا يلدغ من جـحر واحد مرتين.