من فضل الله على عباده أن فضل بعض الأزمنة على بعض، رحمة بعباده وتيسيراً عليهم في الحصول على الفيوضات والرحمات الإلهية، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نتعرض لهذه الفيوضات والنفحات، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا» رواه الطبراني في الكبير.
وها نحن في العشر الأواخر من رمضان، والتي فيها ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر الذي خص الله تعالى بها الأمة المحمدية تكريماً لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته.
وليلة القدر ذات عجائب تجل عن الوصف والإدراك، فهي ليلة تقدير الأمور الجليلة العظيمة التي كان أشرفها إنزال القرآن الكريم فيها، قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» آية 185 سورة البقرة.
وهي ليلة خيرها وبركتها أكبر من الوصف إذ يقول الله تعالى عنها إنها «خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر» بمعنى أن ثواب العبادة وعمل الخير فيها يفضل عن مثيلة في غير ليلة القدر بألف شهر أي ما يقرب من ثلاث وثمانين عاماً.
وتوصف بأنها ليلة النور فقد كان فيها نور الله جل جلاله الذي فاض على نبيه محمد وأُمته، وقد تأذنت رحمته وفضله بهدايتهم وإرشادهم وتدبير أمورهم، وهناك نور القرآن المجيد الذي هدى الناس للخير والرشاد، وهناك نور الملائكة الذين تنزلوا فيها بإذن ربهم من كل أمر، وهناك نور السلام الذي يشرق على الأفاق بالسناء والضياء، وهناك نور الفجر الذي كان مسكاً ختامياً لهذه الليلة المجيدة المباركة الخالدة على مر الزمن، وصدق الله العظيم إذ يقول: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا. بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» سورة القدر.
وفي سبب تسميتها قيل: القدر بمعنى التقدير لأن الله تعالى ابتدأ فيها تقدير دينه، وتحديد الخطة التي يسير عليها محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشر، وإما بمعنى العظمة والشرف من قولهم فلأن له قدر أي شرف وعظمة لأن الله قد أعلى فيها منزلة نبيه وشرفه بنزول القرآن.
وقد اختلف العلماء في تحديدها فقيل هي ليلة الحادي والعشرين، وقيل ليلة الثالث والعشرين، وقيل ليلة الخامس والعشرين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَحَرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر» متفق عليه. وروى الإمام أحمد بن حنبل بسند صحيح عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين» وهذا ما عليه جمهور العلماء.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبتهج بمقدم ليلة القدر ويتهيأ لها ويستقبلها بالتفرغ للعبادة والاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، فكان يدخل المسجد قبل رحيل شمس اليوم العشرين من الشهر المعظم يدخل متفرغاً للعبادة متجهاً بكليته إلى الله عز وجل يقطع بياض الأيام العشر صوما وذكرا وفكرا، ويقضي سواد لياليها قياما وابتهالاً وقرآنا وتسبيحاً وشكراً. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وجدَّ وشدَّ المئزر» متفق عليه.
وأما عن فضل ليلة القدر فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ نزل جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فِي كَبْكَبَةٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُصَلُّونَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ قَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ يَذْكُرُ اللَّهَ»، ويقول أيضاً «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» متفق عليه.
فعلى كل مسلم أن يستقبل ليلة القدر بالدعاء والاستغفار والذكر والصلاة وتلاوة القرآن. وأن يصحح علاقاته بمن حوله ويصل رحمه ويجعل هذه الليلة بداية لعهد جديد مع الله سبحانه وتعالى، وإذا ما رزقه الله تعالى شرف رؤيتها فعليه بالدعاء المأثور، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»، رواه الترمذي وصححه أحمد.
اللهم ارزقنا ليلة القدر وبارك لنا فيها.
د. طه الرشيدى
كلية الشريعة والقانون بدمنهور
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.