حول المهرجان العربي للزجل بأزمور
بمدرج دار الصانع بأزمور تم افتتاح المهرجان العربي للزجل بحضور ثلة من الشعراء لدول عربية وشعراء مغاربة ورؤساء مصالح وممثلي مؤسسات إدارية ومجتمع مدني … فكانت الكلمة الرقيقة الجميلة المسبوكة لغة وأداء حيث كان السلام على من اختار أزمور كلمة زيتونة يوحى لها بما يوحى في أرقى مقامها المحمود ذكرا وأمرا، السلام على من جعل الحياة لغة أخرى ليكون في سياقها مبدعا وفاعلا ومؤسسا موسوما بالعطاء والانتماء للسعادة جمعا ومفردا ، السلام على الغر المحشمين من أصفياء البحث والنقد سلالة مائية تكتب بيمين الماء على ما يوجد بيسار الجسد ليكتشفوا قواعد الأبدية وليقتربوا قرب المريد من القطب وردا وكشفا يتقطرون رحيقا خدمة للأساس منا روحا وتيمنا للناشئ المقصور صياغة منتصرين على اليوم المقرون هنا بأزمور مهد الوردة وعلى ارتفاع العشب قرب النهر الربيعي لأيام معدودات وغدا الدورة التاسعة للمهرجان العربي للزجل الذي اتحد شعارا ” التراث القولي النسائي بين الاستلهام والتوظيف في الممارسة الزجلية الحديثة”.
سلالة العطاء يؤسسون لفكر جمعوي رصين وعارف لسنوات وسنوات بدورات محكمات : المرصد الوطني للتنمية والشباب والجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية.هكذا افتتحت الشاعرة المتميزة ريحانة بشير بكلمتها المهرجان العربي للزجل.
وعليه ،فمنذ أن اجتمع الشعراء والموسيقيون ومن وضلهم ابتلاء القصيدة الزجلية بأرض أزمور على رأس كل سنة شعرنا بضرورة وضع أسس صلبة تضمن ديمومة المواعيد مدركين أن هذا أصبح سنة ، فما كان منا إلا أن نرسم الخطوات التي تحمل معنى لكل دورة تحددها المقولات العشر وهي الآن تصل إلى المقولة التاسعة صبرا لأغوار القصيدة الزجلية من خلال الندوات الفكرية ، إذ استطاع المهرجان أن يوصل رسالة بأنه قادر على حمل جل الأفكار الشعرية والفلسفية المستقاة من المعرفة المحددة بهذه المقولات.
وبما أن أزمور ذات الحمولة الثقافية ، معقل شعراء الملحون، كان لازما علينا أن نسمي هذه الدورة باسم خلدت قصائده أثرا في النفوس عن المدينة “الشاعر “إدريس رحمون”. كما ستكون المقولة العاشرة تحصيل حاصل للدورات السابقة تعكف على دراستها اللجنة العلمية.وتؤسس لقطيعة إبستمولوجية كي نتجاوز جدليا واقع المهرجان إلى واقع جديد بأفكار جديدة في المستقبل القريب ، وليس ذلك بالهين علينا، بل سنكون مضطرين لاستعمال مجموعة من الأنساق الفلسفية المتداولة في الشعر على العموم بعيدين عن التجاذبات التي لا ينطبق عليها أي برهان بالخلف حيث نريد من خلاله فتح باب الصدق ولا نغوص في كل ما يحتمل الصحة التي تبقى دائما فارغة المحتوى بدلالة اللغة والمنطق.
فحضور الشعراء والدعوات الموجهة إليهم لم يكن اعتباطا بل جاء نتيجة عمل اللجنة العلمية التي تكلفت بانتقائهم، أي انتقاء الصفوة من الشعراء والمفكرين نظرا لنضج المهرجان على أرض أزمور معقل الفنون على اختلاف أنواعها وأشكالها حيث انطلق الكلام المنغم الجالس على حروف صنعها هؤلاء الشعراء فكان المساء مسعفا بالبوح الجميل والذي جعل الفرحة فرحتان : فرحة القلب والروح والحواس ، وجمع بين مختلف الأذواق لماذا ،لأن الزجل أو الشعر الشعبي هو كلام رائج بين عامة الناس يتخاطبون به سهوا ورهوا مستمد من العامية التي هي ميدان التوارد اللساني فيمتح الشعراء من تجارب هذه الحياة وكذلك العلاقات المتجلية في القيم والعادات والتقاليد حيث ميدانهم الثقافة الشعبية التي لا تبتعد عن الإنتاجات الثقافية الأخرى ،فجميع الشعراء الشعبيين المعتمدون على الفطرة والتجربة والحكم والآخرون الذين يوظفون بلاغة اللغة الدارجة انطلاقا من حملاتهم الثقافية غير أنهم يتغذون جميعا من درجات سلم واحد وكل درج من هذا السلم هو عبارة عن أزمة : تربوية ، نفسية ،اجتماعية ،اقتصادية ، سياسية ،فكرية …
فالشعر الشعبي ” الزجل” ما هو إلا وسيلة لتبليغ تلك النظرة الجماعية التي تلخص ما وصل إليه الإنسان من تجارب وما بلغ من وعي وإدراك كما أنه يظهر قدرة الشاعر على استعمال مجموع الألوان الشعرية بحيث يبقى هو علم الموهوب بمعنى أن القدرة على التعبير لا تكتسب بالتعلم فقط وإنما هي عطية من الله وموهبة منه ،وفي هذا فهم عميق لمعنى الشعر ، فمن لم تكن له هذه الموهبة فإنه لو استطاع تلفيق الألفاظ بعضها ببعض في موازين مضبوطة فإنه لا يمكن أن يدعى شاعرا إلا إذا كانت تلك الشعلة التي تتقد في نفسه وتجعل لكلامه حلاوة والتي تنبعث من أعماقه.
وبنا على هذا،فإننا سعينا منذ الدورة الأولى للرقي بالزجل وإعادة أمجاده وربط الماضي بالحاضر وتلقينه للأجيال، فكان انتقاء اللجنة العلمية موفقا بامتياز و قراءة لجميع القصائد التي ألقيت من طرف الشعراء والشواعر سواء في الافتتاح أو بقاعة الفندق أو بمدرج مركز دراسة الدكتوراه أوعلى المركب بمياه أم الربيع كانت كلها وليدة العبارة الشعبية المتميزة تبين عن مبدأ خلقي وتملي سيرة اجتماعية يلتقي على ربوتها جل الشعراء الذين يصدرون الكلمة ذات الأفكار العذبة والتصوير الناجح والتعبير الشجي بل كانت قصائدهم أشعارا تجاوزت حد الوصف حيث رحلت بالمنصت والمتتبع ” الحضور” إلى جو النشوة الذي تعاونت في خلقه هذه الكلمة الرقيقة الجميلة فأعطت كلا جماليا متناسقا فرض روعته ووحد الرؤى وجمع الأحاسيس في لذة الشعر التي أحبها وصفق لها الحضور .
وقد رافق هذا اللون الزجلي ندوة علمية أكاديمية ركزت على لون شعري قولي للنساء والذي لا يخلو هو ا لآخر من تشويق ومن الحكي عن بعض الظواهر الاجتماعية مثل الزواج ،الختان ، ركوب الخيل ، تخريجة الطالب ….، فتناولت هذه الندوة محور ” التراث القولي النسائي بين الاستلهام و التوظيف في الممارسة الزجلية الحديثة “.
وقد أدار الندوة الدكتور محمد علوط والتي شارك فيها شاعر الملحون إدريس رحمون مكرم هذه الدورة والدكتورة خديجة شاكر والأستاذ مصطفى بسلطانة من المغرب والدكتورة نبيلة بلعبدي والدكتورة أحلام معمري من الجزائر، تلا ذلك نقاش مستفيض بين أساتذة وشعراء مغاربة وعرب حيث اعتبروا التيمة التي تم طرحها من طرف اللجنة العلمية هي بمثابة فائض قيمة للقصيدة الزجلية الحديثة.