محمد الرافعي الدكالي الفيلسوف النابغة
هو امحمد بن أحمد بن عبدالله الفاضل الرافعي الدكالي، ولد في أزمور، سنة 1888م،توفي بمدينة الجديدة ،مقر اقامته،يوم الجمعة ثامن غشت 1941(الموافق ل14 رجب عام 1360) عن سبع وخمسين، حفظ القرآن الكريم على يد جده، ثم واصل تلقيه العلم عن عدد من علماء المغرب، وعمل مدرسًا للفقه المالكي ولعلوم الحديث بالقرويين بفاس، وكان مرجعا يلجأ اليه المجلس الأعلى بالرباط في العديد من القضايا الفقهية، له بعض القصائد المنشورة في بعض مصادر دراسته، وأعمال الأخرى كترجمة مؤلفات الفلاسفة الغربيين في المغرب من خلال تلميذه عبدالرحمن البنوري، وكتب مقالاً بعنوان {ما الذي أفهمه من هيجل} وله مذكرات في البحوث الفلسفية، وكلها مخطوطة، وكان يلقب بشيخ فلاسفة العرب، وشعره إسلامي تقليدي غلبت عليه سمة التصوف، ومعظمه في شيوخ طرق الصوفية، ومنه في تقريظ كتاب شيخه سيدي محمد عبدالواحد النظيفي.
يعد الشيخ الرافعي من رجالات العلم والفكر، عالم اختلف مساره عن مسار أقرانه، لم تصنعه حلقات الشيوخ كما يُصنع عادة العلماء، ما أخذه من أفواه الرجال لا يزيد عن المبادئ الضرورية المعتادة التي تلقاها في صغره، التميز حاضر عنده في كل شيء: في تكوينه، في اهتماماته، في إشعاعه. حصد حظا وافرا من الثناء، سماه أحدهم صاعقة العلم، ونعته بعضهم بالمطلع الداهية، واختار له آخر لقب شيخ فلاسفة المغرب. وكلها نعوت تحمل في طياتها معاني النبوغ.
تميز الرافعي بفطرة عجيبة للاستيعاب والفهم، ومقدرة فائقة على امتلاك العلم، وبكثرة المطالعة والاستغراق في النظر والبحث استعاض عن قلة الأساتذة والتلقي إشعاعه العلمي لا يعزى لكتب ألفها أو تصانيف وضعها،كانت الفلسفة في صدارة اهتماماته العلمية، ولا يكاد الرافعي يذكر إلا واقترنت بذكره الفلسفة، وجد لذته فيها فأقبل عليها بشغف، وأكثر من مزاولتها معلقا على كتبها، دارسا لها دراسة إبستمولوجية معرفية لا اختيارا وموقفا
أتيح له التعرف على الفلسفة الغربية من خلال ما كان ينشر في المجلات الشرقية المشهورة «كالمقتطف» و«الدهور»، وتأتى له أيضا ترجمة مؤلفات الفلاسفة الغربيين وأفكارهم بواسطة الأستاذ بمعهد الدراسات العليا بالرباط عبد الرحمن البنوري وهو مسيحي اعتنق الإسلام.
ولم يمنعه ولعه بالفلسفة الغربية من نقد فلسفة هيغل، فكتب مقالة ظلت حبيسة الرفوف حتى نشرها الحسن السائح في مجلة الثقافة الجديدة (ع 1981/21) بعنوان: «ما الذي أفهمه من هيغل؟
غلبة الفلسفة على الرافعي لم تلغ مشاركته في باقي العلوم، فاشتهر فقيها من خلال الفتاوى التي كانت ترد عليه من أرجاء المغرب فيجيب عنها، وأضحى بعضها مرجعا قانونيا استند إليه المجلس الأعلى بالرباط للحكم في قضايا مشابهة.
وتبقى أشهر فتاويه تلك التي أقر فيها مشروعية صلاة الخسوف جماعة جوابا على سؤال الشيخ محمد المكي الناصري باسم الشبيبة الوطنية بالرباط في 13 محرم سنة1343 هـ/15غشت 1924.
وعرفوه أديبا من خلال ما كان يحفظه من أشعار العرب وأماليهم، وما كان يستحضره من كتاب «الأغاني»، وكتاب «نهاية الأرب في فنون الأدب»، كما دلت كتاباته على طبقة عالية من الفصاحة والبلاغة.
وأنبأت عنه مؤرخا صفحات كتاب «وفيات الأعيان» المزدحمة بخطه، وكل صفحة من ديوان «العبر» لابن خلدون بأجزائه الضخام بما تضمنته من تذييلاته وتعاليقه.
مكنته منـزلته العلمية من نسج علاقات متينة مع شخصيات علمية وفكرية وازنة من داخل المغرب وخارجه، إما عبر مراسلاته، وإما من خلال الزيارات التي غدا بيته في مدينة الجديدة قبلة لها، أو من خلال تردده على مدن المغرب.
وتكفي الإشارة إلى صلاته بمحمد المختار السوسي وأبي شعيب الدكالي، وأحمد السكيرج، ومحمد بن عبد السلام السائح، وأحمد بن المواز، وعبد السلام ابن سودة، وغيرهم من المغاربة.ومن الأوروبيين -الذي لم يخف إعجابه بنهضتهم- لقيته نخبة من المفكرين والمستشرقين أمثال ماسينيون، وجورج كولان، وهنري دي كاستري، وليفي بروفنصال. ولم يعكر صفو علاقاته تلك إلا صرامة الرافعي وحدته في النقد، وجرأته في اقتحام الأفكار ومقارعتها خصوصا تلك المخالفة لاختياراته وآرائه، وهو ما يفسر إحجام عدد من العلماء عن مجاوبة رسائله لما كانوا يقرؤون في ثنايا أسئلته ومناقشاته من محاولات لتعجيزهم.
مشاركته في العمل السياسي كانت نتاجا للأحداث الجسيمة التي شهدها المغرب في الثلاثينات من القرن الماضي والتي دفعته للتعبير عن مواقفه مما يجري بأشكال مختلفة كلها تصب في خدمة القضية الوطنية.
فاستنكاره للظهير البربري الصادر في 16 ماي 1930 واتصاله بقادة ثورة الريف المنفيين إلى الجديدة كأزرقان وزير عبد الكريم الخطابي، و بوجيبار، ومساعيه لإخراج بعض السجناء الوطنيين كالفقيه الغازي وأحمد باحنيني من سجن العاذر قرب الجديدة، ونقلهم إلى مستشفى المدينة كلها مواقف تؤكد وطنيته وانشغاله بهموم بلده المستعمر.
كما نقل عنه أيضا أنه كان يطلب من تلميذه العربي المسعودي ترجمة مقالات ترد في الصحافة الأجنبية حول القضية المغربية، بل تجاوز ذلك إلى متابعة الصحافة الوافدة من المشرق ملتمسا فيها أخبار الحركات الوطنية بالشرق العربي وتحديدا في مصر
ومن العوامل التي حجبت اغلب انتاجاته خطه الرديء المقفل، الممتنع على القراء، وانتهاء بعدم زواجه الذي حرمه من ذرية تحفظ آثاره، مرورا بقلة العناية بتدوين أسماره ومذاكراته، كلها عوامل حكمت على جل إنتاجه بخمول الذكر والضياع.
المصدر .النصر الواضح في الذبّ عن مؤلف الطيب الفائح