مفهوم التربية
تتعدد الآراء حول مفهوم التربية ويختلف الناس حولها ومرجع ذلك يكمن في الاختلاف حول موضوع التربية وأيضا فهم الطبيعة الإنسانية والذي يعود في المقام الأول إلي الاختلاف في الفلسفات أو البيئات الثقافية التي تتميز وتتباين بتباين القوى والعوامل المؤثرة من فلسفية وثقافية واجتماعية ودينية وهكذا …
وبذلك اختلف المربون والمفكرون والعلماء في معنى التربية نظرا لاتساع مدلولها .
ولقد قدم وليم فرانكينا N. K , Frankona تعريف للتربية حيث قال ” أن مصطلح التربية قد يعني أي مما يأتي :
1-ما يفعله الآباء والمدرسين والمدرسة أو بمعنى آخر النشاط الذي تقوم به لتعليم الصغار .
2-ماذا يحدث في داخل الفصل من تغيرات أو عملية كونه متعلما .
3-المحصلة النهائية أو ما يكتسبه الطفل وما يسمى في النهاية بالتربية .
4-أن نظام التربية هو ذلك النظام يدرس أي من الثلاث نقاط السابقة .
لقد عرفت التربية أيضا بأنها عملية تكيف مع البيئة المحيطة أو بأنها عملية تكيف مع الثقافة المحيطة . فالعملية التربوية تتفاعل مع البيئة من ثقافة ومكونات مادية وغير مادية وبكل عناصر ها الطبيعية والإنسانية . إنها تفاعل مع الحياة مع الإنسان فهي عملية مستمرة كالمجتمع .
التربية عملية تطبيع اجتماعي تهدف إلي إكساب الفرد ذاتا اجتماعية يتميز بها عن سائر الحيوانات الأخرى في جميع مستوياتها التطورية فهي التي تجعل من الفرد عضوا عاملا في الجماعة حيث يتطبع الفرد بطباع الجماعة المحيطة به وعملية التطبع هذه تحدث في إطار ثقافي معين يتحدد علي أساسه اتجاهها ومفهومها ومعناها ولكن هذا الإطار الثقافي يختلف من مجتمع إلي مجتمع آخر .
أما أحدث التعاريف للتربية فهو التعريف الذي يدور حول عملية التكيف أي أن : التربية هي عملية التكيف أو التفاعل بين المتعلم وبيئته التي يعيش فيها .
مما تقدم من تعار يف يتضح لنا أن معظم من عرفوا التربية وكذلك معظم المفاهيم التربوية تشتمل علي :
1- أنها جميعا تقتصر علي الجنس البشري .
2- أنها جميعا تعتبر التربية فعلا يمارسه كائن حي في كائن حي آخر وغالبا ما يكون إنسان راشد في صغير أو جيل بالغ النضج في جيل ناشئ .
3- أنها جميعا تقر أن هذا الفعل موجه نحو هدف ينبغي بلوغه علما بأن الهدف يحدد له غاية تهم المجموعة التي تقوم بعملية التعليم .
أمام هذا كله تبدو التربية وكأنها لا تخضع لتعريف محدد وأن تعدد مفاهيمها أمر طبيعي يتناسب مع مكانها وسط الظروف والعوامل المتغيرة وأننا ينبغي أن نسلم بهذه المفاهيم مادامت التربية قضية عامة تشغل كل فرد وليست مسألة فنية شأنها شأن مسائل العلم الأخرى التي يختص بها المتخصصون من العلماء والفنيين .
ويبدو أن مرد هذا الاختلاف هو عدم النظر إلي التربية نظرة شاملة والاقتصار في ذلك علي نظرة جزئية ، ومن ذلك :
– النظر إليها من خلال تأثرها بالظروف الاجتماعية والسياسية في اختلافها بعوامل الزمان والمكان فقط .
– النظر إليها من خلال التعليم المدرسي فقط .
– النظر إليها من خلال نوع مادة التعليم .
– النظر إليها من خلال التخصصات المختلفة .
1-فالاختلاف حول مفهوم التربية قد يأتي نتيجة المعاني المختلفة التي تعطيها لها مختلف الأمم والجماعات فإنها من المعاني في البيئات الريفية غير ما لها في المناطق الصناعية وقد يكون من الخطأ أن تفسر معنى التربية في البلاد النامية مثلما تفسر به معنى التربية في أمة بلغت مرحلة متقدمة من الحياة ثم إنه حتى في حالة البلاد التي يجمع بينها كثير من أوجه الشبه قد تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا في مجال التربية سواء من ناحية الفكرة أو الممارسة والتطبيق بل وأكثر من ذلك فقد تختلف الآراء حول معنى التربية في داخل البلد الواحد ومرد ذلك إلي اختلاف المواقع والمواقف التي ينظر منها الناس إلي التربية فقد تختلف نظرة الناس إليها في المناطق الفقيرة عن نظرة الناس إليها في المناطق الغنية وهكذا .
2- قد يأتي هذا الاختلاف نتيجة النظر إليها من زاوية التعليم المدرسي فقد نجد من يؤكد أن التربية تقتصر علي أماكن الدراسة باعتبارها الأماكن التي تخصصت في فن التعليم والتي تهدف إلي إحداث تغيرات مرسومة وواضحة في سلوك الناشئين والشباب وعلي أساس أن غيرها من الأماكن والمنظمات لها من الوظائف الأخرى ما يبتعد بها عن أية مسئولية تربوية
3-هناك من يذهب إلي أن التربية لا تشمل مراحل الدراسة المقصودة في المدرسة وفي الجامعة فحسب بل تمتد إلي أبعد من ذلك فتشمل حتى المؤثرات غير المباشرة والعوامل العارضة فالتربية لا تشمل كل ما نصنعه لأنفسنا وكل ما يصنعه غيرنا من أجلنا بقصد الاقتراب من الكمال في طبيعتنا البشرية فحسب بل إن قوى التربية تمتد إلي أبعد من ذلك فهي بأوسع معانيها تشمل أيضا الآثار غير المباشرة في خلق الفرد وسلوكه وملكاته وقد تحدث هذه الآثار نتيجة لعوامل ليس من أهدافها المباشرة إحداث الآثار كما هو الشأن في القوانين والنظم الحكومية والفنون الصناعية وأساليب الحياة الاجتماعية بل وحتى الحقائق الطبيعية نفسها لا تخضع للإدارة البشرية كالجو والتربة والموقع .
4- وقد يظهر الاختلاف حول مفهوم التربية نتيجة عدم الاتفاق حول مادة التعليم ومحتواه . وقد ظهر هذا الاختلاف بين المفكرين والفلاسفة منذ وقت طويل ومن ذلك ما نجده في إحدى ملاحظات أرسطو نفسه إذ يقول ” ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا طبيعة التربية أو الوسائل الصالحة لتحقيقها ويشهد الوقت الذي نعيش فيه خلافا فعليا حول هذا الموضوع فالناس غير مجمعين علي الموضوعات التي ينبغي أن يتعلمها الصغار ولا يتفقون علي الغاية المنشودة من تعليمها .
5- وقد ظهر الاختلاف حول مفهوم التربية أيضا علي ضوء اختلاف المداخل لدراستها فنظرا لأهميتها في استمرار المجتمع وتطوير ثقافته وتكوين اتجاهاته إنها كانت موضع اهتمام كل من بحث في شؤون المجتمع والثقافة وفي طبيعة الأفراد ودورهم فيه فتعددت مفاهيمها واختلفت باختلاف المدخل إلي تفسير المجتمع والثقافة وطبيعة الأفراد فعرفها عالم البيولوجي بأنها عملية ملاءمة من جانب الفرد للبيئة التي يعيش فيها ونظرا إلي الفرد فيها من زاوية تطوره الطبيعي في مراحل تطوره ونموه وأصبحت في نظر عالم النفس مرادفة لعملية التعلم بصرف النظر عن ظروف الزمان والمكان التي يعيش فيها الفرد والتي تشكل سلوكه واتجاهاته ونظر إليها أصحاب الاتجاه المحافظ ممن اهتموا بالثقافة والتراث الثقافي من حيث كونها وسيلة الثقافة في المحافظة عليها ونقلها من جيل إلي جيل بينما نظر إليها أصحاب الاتجاه التقدمي المتطرف من زاوية الفرد فاعتبروها العملية التي يعبر فيها الفرد عن ذاته بميولها ورغبات