المـــعلم المـــربي الــــــذي نــــــريد …/ أمال السائحي
المـــعلم المـــربي الــــــذي نــــــريد …/ أمال السائحي
المحرر الأربعاء 3 جمادى الأولى 1440? 9-1-2019م المـــعلم المـــربي الــــــذي نــــــريد …/ أمال السائحي
لم تختلف نظرة المجتمع الإنساني عبر العصور إلى المعلم، فهو بالنسبة له معلم ومربي في آن واحد، يقع على عاتقه تعليم الفرد وتوجيهه، وله دور فاعل في تنشئة المتمدرسين التنشئة السليمة من خلال الرعاية الواعية والشاملة للنمو المتكامل للفرد المتعلم “التي يتعهده فيها روحياً وعقلياً وجسمياً ووجدانياً وممارسة” هذا إضافة إلى دور المعلم في مجال التفاعل مع البيئة وخدمة المجتمع والمساهمة في تقدمه ورقيّه.
فالمعلم من منظور هذه الأدوار كلها، والمهام التي يؤديها ويمثلها، لابد أن يكون بمثابة محور للعمل في المدرسة وعمودها الفقري، وقيمته ترتكز على وعيه وإلمامه بمسؤولياته الجسام، تلك المسؤوليات والمتجددة والمتطورة والشاملة، المتناسبة مع روح العصر في تحقيق الأهداف التربوية بجوانبها المختلفة، والمشاركة الفعّالة والإيجابية من خلال عمله كعضو في المؤسسة التعليمية في إعداد المواطن الصالح الذي يعرف ما له وما عليه، ويكون ذلك برعاية النمو الشامل للتلاميذ المتعلمين جسمياً وعقلياً وانفعالياً. وبغير هذا فلا يستطيع أن يفلح أو ينجح في مجاله، لأن مهنة التدريس هي أهم وأبجل وأرقى المهن على الإطلاق…
ومن بين الأدوار الاجتماعية والتربوية التي يمثلها المعلم، كما ذكرنا آنفا دوره كناقل معرفة لطلابه، ودوره في رعاية النمو الشامل لهذا الطالب أو ذاك، دوره كذلك يتمثل في خبرته ومهارته وإبداعاته المهنية في التدريس والتعليم، مسؤوليته كذلك في الانضباط وحفظ النظام. دوره كمرشد نفسي، فمهنة المعلم لا تقتصر على تعليم الاسم أو الحرف، ولكن تتمثل في ذلك الدور الإرشادي والتوجيهي للطالب، فمن خصوصيات المعلم أن يكون ملاحظا دقيقا للسلوك الإنساني، كما يجب عليه أن يستجيب بشكل إيجابي، عندما تعيق انفعالات الطالب تعلمه، ويجب عليه أيضاً معرفة الوقت المناسب لتحويل الطالب للأخصائي النفسي طلبا للمساعدة، وفي الحقيقة هذا ما نريد أن ندندن حوله اليوم، في موضوعنا الذي بين أيدينا…
جرت دردشة بيني وبين أساتذة وطلبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان الموضوع تحت عنوان”العصا لمن عصى”، فحاولت جاهدة أن أقنع هؤلاء الأساتذة بأن العقاب بالضرب هو آخر حل يمكن أن نستفيد منه، وأنه توجد حلول هي أولى وأجدى نفعا من الضرب، علينا أن نستعين بها قبل اللجوء إلى هذه الوسيلة البائسة، فآخر العلاج الكَيُّ كما يقال، وأضفت قائلة بأن التسرب المدرسي للتلميذ، ودم حب المعلم، والتقاعس عن الواجبات، وشحنة غضب الطلبة التي يوجهونها إلى الأستاذ، هو نتاج لعدم احتواء التلميذ، وعدم النظر إليه بنظرة شمولية كاملة…
فإذا كان المعلم يشكو حاله ولا ينظر إلا لنفسه، ولا يخدم إلا نفسه، حتى في إضراباته تقتصر بنودها على مطالبه، ولا يلتفت فيها إلا إلى صالحه، فكيف يكون النتاج المنتظر؟ فكانت إجابة معظمهم أنني متحاملة جدا على الأستاذ وهو يؤدي دوره كمرب وكمصلح، وطبعا يرى الأستاذ بأن الحق الذي نعطيه للتلميذ هو الذي جعل من الأستاذ اليوم يضرب، ويُنكل به أيما تنكيل…فقلت لابد أن نعرف أن الأسباب التي جعلت طالب اليوم على هذه الشاكلة، تعود إلى الأسرة التي لم تعد تفقه التربية والتعامل مع جيل المستقبل، وتركت الأمور تسير هكذا وفق طبيعتها، ولم تُولِ أدنى اهتمام لتربية أبنائها منذ الصغر تاركة ذلك للروضة والحضانة، طبعا لا ننتظر من دور الحضانة التي أصبح الطفل أول ما يفتح عينيه يجد نفسه مع أم غريبة عنه، تطعمه وتسقيه وهذه هي التربية، بعدها يأتي دور المدرسة التي أصبح الأستاذ فيها في غير مستوى الأستاذية وللأسف الشديد بات همه الوحيد منحصرا في تأمين مستقبله المادي على حساب الكثير من الجماجم، والدروس الخصوصية هي أكبر دليل على ذلك…لقد كان نقاشا حاميا، ولكن مع ذلك كان فيهم من أنصفوا هذا الرأي، وأقروا أن المسؤولية تقع على الكل من الأسرة التي لم ترب أولا، إلى المدرسة التي لم تؤصل لمكارم الأخلاق كما يفترض…وانتهى النقاش إلى ضرورة أن يعي المعلم جيدا أن مهنته هي مهنة جديرة بالتقدير، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إنما بعثت معلماً” فالمعلم مربي أجيال وناقل ثقافة مجتمع من جيل الراشدين إلى جيل الناشئين، كما أن وظيفته وظيفة سامية ومقدسة، نوه بها الرسل والأنبياء ورجال الدين والفلاسفة على مر العصور والأجيال، وهو مدعو إلى أن يسترجع وعيه بطبيعة مهمته النبيلة في هذه الحياة، وأن يعيد إلى مهنته ألقَها وإشعاعها، فذلك هو السبيل الوحيد والأوحد لاسترجاع مكانته في القلوب، وهيبته في النفوس…
البصائر