عن جريدة هسبريس الالكترونية
العاصمة
لا تكاد عين الزائر تصدق أن جماعة السهول القابعة قرب عاصمة المملكة الرباط تعاني ما تعانيه من فقر وبؤس وحرمان وغياب تام للبنيات التحتية وضروريات الحياة، قبل الحديث عن الكماليات الذي سيكون من باب التهكم والنكتة.
وبالرغم من اختلاف وجوه الساكنة وأصولهم وأعمارهم، فإن شظف العيش قد وحّد سحناتهم التي تخبر المتأمل فيها بما تكنه صدورهم وتعجز أن تعبر عنه ألسنتهم التي لا تمل من تكرار العبارات القديمة الجديدة "مرضنا وعيينا وضاعوا أولادنا وهاد الناس نساونا".. فعلا، إنهم منسيون إن لم نقل إنهم لاجئون في وطنهم.
تقع جماعة السهول على بُعد 15 كيلومترا من العاصمة الإدارية الرباط، ويقدر عدد سكانها بحولي 20 ألف نسمة، وتعتبر الأنشطة الزراعية والفلاحية خيار الساكنة الوحيد لضمان رزقها وقوت أبنائها.
كاميرا هسبريس انتقلت إلى عين المكان، فصادفت السوق الأسبوعي هناك، سوق عكس ما يظهر اسمه تحول مع الوقت من الأربعاء إلى الخميس في غفلة من ساكنة الدوار. يقول لنا أحد المارة إن تغير موعد السوق لعب دورا اساسيا في الوضع الذي نعاينه، ويحكي (أ. خ) بنبرة حادة تأسفه: "أشمن سوق بقا سوق الأربعاء بقا كيندثر كيندثر حتى ولا كيعرف واحد الفراغ، معرفتش كفاش ردوه عوتاني سوق الخميس، وما قوموش ليه التجهيزات ديالو من ناحية الارض ولا من حيث علامة التشوير لا والو".
يعرف مدخل السوق اكتظاظا شديدا وضجيجا كبيرا، لا صوت يعلو على أصوات الخراف، وأجواء العيد في كل مكان، لا حديث بين زوار السوق إلا عن ثمن الأكباش والخراف وجودتها.
مستوصف "الروائح"
ونحن نتجول في السوق استوقفنا منظر غريب، يبدو للوهلة الأولى أن الأمر لا يتعلق بشيء سوى بمستوصف قروي، تزكم من جنباته روائح كريهة، أزبال وقمامة وروث بهائم منتشرة في كل مكان، أطفال يلعبون وأمهات في انتظار أن يحين دور المناداة عليهن؛ اقتربنا أكثر من باب المستوصف لنلمح بقع دم متناثرة على الدرج.
لفت قدومنا أنظار المنتظرين، اقتربت منا بصعوبة بالغة سيدة طاعنة في السن، ترك غدر الزمن على ملامح وجهها كآبة وبؤسا باديين، مع علمها بطبيعة مهمتنا استبشرت خيرا، بدأت الحديث عن معاناتها مع المرض وقصر ذات اليد بغياب معيل لها منذ وفاة زوجها، تشتكي وهي في حالة حزن شديد تأجيل موعد العلاج لشهور طويلة.
"حنا كساكنة السهول عندنا غير هاد المستوصف كيتفتح نهار الخميس، ناس الى مرضو وسط السيمانا تيجيو لهنا وكيبقاو يتسناو".. هكذا عبر لنا أحد الآباء مستنكرا اشتغال المستوصف الطبي ليوم واحد في الأسبوع وغياب الممرضين والمعدات والأدوية الطبية، ليضيف بحسرة: "نطالب بمستوصف للناس لكيولدو ورعاية طبية ولو غير 3 أيام، واش لي ضرباه عقرب ولا ش لفعى كيجي مسكين لهنا ومكيلقا والو، الفرملي ولا كيخدام بوحدو ولا بحال العطار لي اللي جا كيعطيه نفس الوريقة".
معاناة الساكنة مع المرض لا تنتهي، فقط الأطفال يحظون برعاية استثنائية، أما الحالات المرضية المستعجلة وولادة النساء، فوجود مستوصف يشتغل مرة في الأسبوع يدفع الجميع مكرهين إلى تحمل عناء السفر إلى الرباط وسلا طلبا للعلاج.
مخدرات وبطالة
لنلقي نظرة على شباب هذه المنطقة.. مستقبل البلاد، كما يقال. شباب في مقتبل العمر لا يعرفون من الحياة سوى أوبئتها.
يقول شاب في تصريح لهسبريس: "العرويبة ما كاين مايدار، داكشي من العام للعام كنساينو الشتا وصافي، غير الفلاحة، من غيرها مكنديرو والو، ثم إن أبناء المنطقة يستعصي عليه إكمال التعليم الجامعي نظرا لظروفهم القاهرة، ليجد الواحد منهم نفسه مرغما على "حرفة بوك لا يغلبوك".
بحسرة، يحكي لنا أحد الآباء كيف يواجه شباب البلدة واقعا مزريا قائلا: "الشباب كيتاجروا في المخدرات، مكاينش ليردهوم للطريق، لي كيكمي كيفاش بغيتيه يقلب على الخدمة، لي مشا المدينة راه عتق راسو ولي بقا هنايا راه المخدرات هي خدمتو".
تعاطي المخدرات أمر عادي للغاية صادفنا ثلاثة شبان عاكفين على لف سيجارة و(موسيقى) صاخبة تنبعث من هاتف أحدهم، لم يثرهم مرورنا بجانبهم، مما يدل على أنهم قد اعتادوا تناول المخدرات جهارا لغياب الأمن بالمنطقة.
طريق الموت
الطريق إلى جماعة السهول غير صالح لمرور العربات بسبب المطبات والمنعرجات الخطيرة والمسالك الضيقة، بعد أن تخلى المجلس الجماعي عن الاهتمام بها وتعبيدها، إذ توجد به الكثير من الحفر والصخور التي تهشم عجلات السيارات وتقود إلى تعطيل محركات العربات.
يقول أحد السائقين معلقا على حالة الطريق: "هذه حالة يرثى لها، لي عندو ش برويطة تيركب فيها راه غيهرسها هنايا".
ويضيف أحد المارة ووجهه يشتعل غضبا: "نهار الخميس هاد الطريق راه كتكون كارثة حتى على الناس نتاع المنطقة، عيينا ما نطالبو؛ ولكن لا حياة لمن تنادي"، لافتا إلى أن "شي كيرمي لشي، هادو يقوليك هادوا والطريق 60 عام وهي هكا"، موردا بسخرية: "السوق له مداخيل كثيرة ودغيا يصاوبو الطريق الى بغاو".
تلك كانت جولة قادتنا إلى جماعة السهول التي تقبع غير بعيد عن عاصمة المملكة الرباط؛ غير أنها ما زالت تعاني الكثير من مظاهر الفقر والبؤس والحرمان، في ظل غياب تام للبنيات التحتية وضروريات الحياة.