عيد الأضحى يوم الأمان مع ضيوف الرحمان والمسلمين في كل الأوطان / محمد مكركب
عيد الأضحى يوم الأمان مع ضيوف الرحمان والمسلمين في كل الأوطان / محمد مكركب
المحرر الأربعاء 4 ذو الحجة 1439? 15-8-2018م في رحاب الشريعة
العيد في الإسلام له شأن عظيم، والأمة الإسلامية في عيدها لها مقام كريم، فشأن العيد في كونه أهم مشعر زماني في تمييز المسلمين عن غيرهم، وفي أنه عنوان بارز في أن الأمة الإسلامية لها خصائصها ومميزاتها، فلاتقبل الأعمال الجاهلية، ولا العادات المخالفة للشريعة الإسلامية، من هنا تبدأ عظمة العيد، والمسلمون لاينبغي في تدينهم لله أن يخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عن عمد وقصد، ومن هنا يبدأ المقام الكريم لأمة الإسلام. فعن أنس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ماهذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ.] ( أبو داود:1134 والنسائي: 1556)
أولا: الأعمال التي يقوم الحجاج يوم العيد في منى ومكة؟ وثانيا: الأعمال المطلوبة من الحكام السياسيين والعلماء الدعاة يوم العيد؟ وثالثا: الأعمال الواجبة على سائر المسلمين والمسلمات يوم العيد؟ ثم ورابعا: أعمال المفتي العام يوم العيد؟
1 ـما هي أعمال الحجاج يوم العيد؟: تكون بداية شعائر يوم العيد من المشعر الحرام، حيث يصلي الحجاج الصبح بمزدلفة، ثم يرفعون أكف الضراعة والابتهال للعلي الكبير المتعال، ممتثلين أمره، حين أمرهم بذكره، وأوجب عليهم الشكر على نعمه. فقال العلي العظيم: ?فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ? (البقرة:198)
ثم يدفعون إلى منى حيث يقوم الحجاج بالأعمال المخصوصة يوم العيد وكلهم تفاؤلٌ وسرور، بحج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة لن تبور، يبدؤون برمي جمرة العقبة،بسبع حصيات معلنين إيمانهم بالرحمان، رافضين دعوة الشيطان، ثم ينحرون أو يذبحون، وبذلك يُحيون سنة الخليل واستجابة للرب الجليل، ثم يحلقون أو يقصرون، كما أخبر رب العلمين.?مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ? ولكن متى يكون الحلق أو التقصير؟ يكون بعد رمي جمرة العقبة، التي ترمى بعد طلوع الشمس يوم العيد، وبعد نحر أو ذبح الهدي، فالترتيب سنة مؤكدة، عملا بقول الله تعالى: ?وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ? (البقرة:196) ففي يوم الحديبية قال الرسول صلى الله عليه وسلم:[ قوموا فانحروا ثم احلقوا] ومَحِلُّ ذبح الهدي في الإحصار، هو مكان الإحصار، ومَحِلُّ ذبح الهدي في الحج مِنًى. قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: [ نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر.] (مسلم.1218) وعن أبي هريرة، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه قال: [ وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ] ( أبو داود:2324) قال الله تعالى:?ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ? (الحج:29) قال القرطبي:{ثم ليقضوا بعد نحر الضحايا والهدايا ما بقي عليهم من أمر الحج، كالحلق ورمي الجمار وإزالة شعث ونحوه. قال ابن عرفة: أي ليزيلوا عنهم أدرانهم. وقال الأزهري: التفث الأخذ من الشارب، وقص الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وهذا عند الخروج من الإحرام.}.
ثم يفيضون إلى المسجد الحرام، ليطوفوا بالبيت العتيق، شاكرين خالقهم على نعمة الهداية والتوفيق. قال تعالى: ?وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ?
2 ـ ثانيا: واجب العلماء يوم العيد: هما في الحقيقة واجبان: واجِبُ أُولِي الأمر في إرشاد المسلمين الحجاج إلى أداء مناسك الحج كيف يتمون حجهم يوم العيد وما بعد العيد، وإرشاد باقي المسلمين في أوطانهم كيف يستعدون لصلاة العيد، والشعائر التي يقومون بها يوم العيد من التكبير، والتهليل والأضاحي، والتراحم. والحكام الخلفاء، والأمراء، والملوك، والرؤساء، يخرجون يوم العيد بالناس إلى المصليات والساحات التي يعدونها خصيصا لصلاة العيد. فعن أم عطية، قالت: أُمِرْنا أن نخرج الحيض يوم العيدين، وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين، ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن، قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب؟ قال: [لتلبسها صاحبتها من جلبابها] (البخاري.351) والشاهد في الحديث. قول أم عطية {أُمِرْنَا}
والواجب الثاني على أولي الأمر: التذكير بالدعوة إلى الإسلام، بمناسبة عيد الإسلام للعالم، يراسلون غير المسلمين برسائل يبينون فيها، واجب اتباع خاتم النبيين، من خلال مدلول قول الله تعالى: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ? (آل عمران:64) وأن يأمروا رجال الإعلام ليقوموا بتنفيذ هذا البلاغ، والنبي عليه الصلاة والسلام، قال:[بلغوا عني ولو آية] ففي الحديث: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: [بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار] (البخاري.3461) ومعنى حدثوا عن بني إسرائيل، أي: عما وقع لهم من الأمور الغربية والأخبار المفيدة للعبرة، وليس معنى حدثوا عنهم خذوا عنهم الحديث. فلايؤخذ الدين إلا من مصادر الدين من القرآن الكريم، وما نقل بالتواتر الموثوق الذي أجمعت عليه الأمة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 ـ ثالثا: الأعمال الواجبة على سائر المسلمين يوم العيد: الصلاة والنحر، قال الله تعالى: ?فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ? فصل لربك صلاة العيد، يوم النحر. ثم انحر نسكك. فالصلاة سنة نبوية مؤكدة، ووجوب هذه السنية على كل مسلم ومسلمة من القادرين عليها. لحديث أم عطية السابق، قالت: [أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الحُيَّضَ يَوْمَ العِيدَيْنِ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ، وَدَعْوَتَهُمْ] (البخاري.351) والأضحية سنة مؤكدة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: [ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ] (البخاري.5558) عن البراء رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال:[ إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا،] (البخاري.5560) و[مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ]. أي أن الذبيحة قبل صلاة العيد لاتعتبر أضحية. عن الأسود بن قيسٍ، قال: سمعت جندب بن سفيان البجلي، قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال:[ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ] (البخاري.5562) وفي كتاب الضحايا في الموطأ:{ قَالَ يَحْيَى، قَالَ مَالِكٌ: الضَّحِيَّةُ سُنَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ عَلَى ثَمَنِهَا، أَنْ يَتْرُكَهَا.}. فالأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، وعبادة عظيمة قرنها الله تعالى بالصلاة، من حيث مقام القدر، لامن حيث مقام الفريضة، ومن كان قادرا عليها، فليذبح ولا يعوضها بأن يتصدق بثمنها.
ولايستحب للفقير أن يستدين لأجل الأضحية، بل من عليه دَيْنٌ أن يبدأ بتسديد الدَّيْن. والله تعالى أعلم. فإذا صلى المسلم صلاة العيد ورجع إلى بيته وكان قد أعد أضحية يذبحها بنية التقرب بها إلى الله تعالى، عملا بقوله سبحانه.?قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ? (الأنعام:162) اشحذ السكين جيدا بعيدا عن رؤية الأضحية، ثم أضجع الشاة على جنبها الأيسر ووجهها للقبلة، وقل: باسم الله والله أكبر. ثم اذبح.قال الله تعالى: ?فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ? وقال تعالى: ?وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ? (الأنعام)
ويشترط في الذابح أن يكون مسلما عاقلا، رجلا أو امرأة ولو كانت حائضا، ولو كان الرجل جنبا، وتجوز ذبيحة المسلم الأخرس. ويكفي في عملية الذبح.[مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ،] (البخاري.2488) أنهر الدم: أساله وصَبَّهُ بسرعة، والمعنى: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فهو حلال. والحديث فيه الدليل على حل أكل ما يُذْبَحُ إذا نُحِر، وما يُنْحَرُ إذا ذُبح. إلا أنه من السنة، لكمال الذبح: قطع الحلقوم والمريء مع قطع الودجين. ومن السنة: أن تكون الذكاة في الإبل نحراً، وفي غيرها ذبحاً، فتنحر الإبل وهي قائمة (واقفة) ويدها اليسرى معقولة، والبقر، والغنم، والمعز، تذبح، مضطجعة على جنبها الأيسر، متجهة بوجهها نحو القبلة. فإن كان الذابح يذبح باليسرى، يجوز أن يُضْجع الشاة أو البقرة على جنبها الأيمن ويوجهها للقبلة ويذبح. والله تعالى أعلم. ?فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ?.
4 ـ واجب مفتي المسلمين: إصدار بيان يوم العيد للأمة الإسلامية عامة وللشعب خاصة، يبن فيه ما يجب من الشعائر، والنصح بالتراحم والتآلف، وتبيان أهم ما ينبغي بيانه في حينه، من مسائل فقهية، وإرشادات عامة عن المرجعية، والاعتصام بالشريعة ويكون ذلك ضمن الخطبة التي يلقيها بعد صلاة العيد. تقبل الله منا ومنكم آمين. والحمد لله رب العالمين.