فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1773.42
إعلانات


روعة الإسلام فى توزيع الميراث

روعة الإسلام فى توزيع الميراث

ل- د. عبدالرحمن سعد

ملايين من المسلمين اليوم واقعون في ضغائن وكراهية بسبب مسائل تتعلق بالمواريث المنقولة إليهم من ذويهم، وبدلا من الالتزام بشريعة الإسلام التي نظمت هذه المسائل بأدق الموازين وأعدلها؛ إذ بالقوي منهم يأكل حق الضعيف، إن بطريق التحايل، أو الاستضعاف، أو الظلم، أو العدوان.

وعلى الرغم من أن "الجور في التوريث"، وحرمان الوارث من حقه الشرعي؛ منكر وكبيرة من كبائر الذنوب، وحرام شرعا في الإسلام، وفاعل ذلك مُتوعّد بالنار، لتعديه على حقوق الغير، وهضمه لحقوقهم؛ إلا أننا نجد كثيرا من الآباء والأمهات يجعلون من بر أبنائهم بهم، أو حبهم لأحدهم، أو الميل القلبي له.. مقياسا للإرث.

وفي سبيل ذلك يلجأون إلى أساليب منكرة مثل كتابة وصية محرمة، أو بيع جزء من الموروث للوارث، أو يخص أحدهم بعض أبنائه بجزء مِن أملاكه بنظام البيع والشراء، مما ينطوي على ضرر بالآخرين، أو يمنح هبة لمن يطيعه من الأبناء، وغير ذلك من أشكال التمييز، بهدف الإخلال بحق أصيل أرساه الإسلام في المساواة بين الأبناء في الهبة، والعطية، ونحوهما.

وخطورة عدم الالتزام بالنظام الإسلامي في توزيع المواريث هو أنه يجرُّ إلى قطع الأرحام، وتفتيت الأسر والعائلات، وتوسيع رقعة النزاعات، ونشر الكراهية والبغضاء بين الأجيال التلاحقة داخل الأسرة الواحدة.

هذا برغم أن الله اختصَّ نفسه بقسمة المواريث، فلم يكلها إلى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، بل ختم آياتها بقوله: "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ".(النساء: 13-14).

والأمر هكذا، أكد الفقهاء أنه لا يجوز لأحد من المورثين أن يخصَّ أحد أبنائه - ذكرا أو أنثا - بِعطية أو هبة دون البقية؛ إلاّ بِرِضائهم جميعا، واعتبروا ذلك معصية لله، ومُنازعة له تعالى في شرْعِه؛ فقد أعطى سبحانه كل وارِث حقّه.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرر ولا ضِرار". (رواه الإمام أحمد وابن ماجه)، وقال، أيضا: "إنَّ اللهَ أعْطَى كُلّ ذِي حَقّ حَقَّه". (رواه الإمام أحمد وغيره). كما قال: "اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم". (رواه البخاري ومسلم).

وعندما أعطى "بَشِير بن سعد"، رضي الله عنه، ابنه النعمان، عطية دون سائر ولده، سأله النبي، صلى الله عليه وسلم: يا بشير.. ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم. فقال: أكلهم وَهبتَ له مثل هذا؟ قال: لا. قال: "فلا تُشْهِدني إذًاً، فإني لا أشْهَد على جَور". (رواه البخاري ومسلم).

وهذا الحل الذي قدمه الرسول، صلى الله عليه وسلم، لمشكلة عدم العدل في الهبة، بعدم شهادته على جَور، يتضافر مع حلول أخرى منها التصدى لمن يرتكب هذا المنكر، فنذكره بالله، وندعوه للتوبة والاستغفار، وسرعة رَدُّ المظالم قبل وفاته؛ وتمكين ورثته من نصيبهم، وعدم الحيلولة بينهم وبين تملكه، لقوله تعالى: "فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ".(البقرة: 182).

قال ابن قدامة: "لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّسْوِيَةِ، وَكَرَاهَةِ التَّفْضِيلِ. وقَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُسَوُّوا بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ. والتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ أَنْ يُقَسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْمِيرَاثَ، فَيَجْعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ.

وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَإِسْحَاقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. قَالَ شُرَيْحٌ لِرَجُلٍ قَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ وَلَدِهِ: اُرْدُدْهُمْ إلَى سِهَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرَائِضِه. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانُوا يُقَسِّمُونَ إلاَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

وكل وارث يستحق نصيبه من الميراث بعد أن تُخصم منه نفقة تجهيز الميت، وقضاء الديون، وإنفاذ الوصايا والكفارات والنذور ونحو ذلك. قال العلماء: "لو أن رجلا زوّج بعض أولاده، وبَقِي بعض الصِّغَار لم يُزوّجوا، لم تجز له الوصية لهم؛ إلاّ بِرضا جميع الورثة".

فيا كل موّرث: اتق الله في ميراثك الذي تتركه لورثتك، والتزم فيه بشرع الله، ولا تحكم فيه بعاطفتك أو أهوائك، واعلم أن الله تعالى، الذي قسم هذه المواريث، ووزعها، هو أرفق منك بورثتك، وأعدل منك معهم، وأرحم بهم منك، مهما تخيلت أنك بجَورك تحمي ضعيفهم من القوي، أو تغني فقيرهم دون الغني، أو تضمن للصغير منهم مستقبله بعد أن كبر الكبير، أو تعطف على المحتاج دون المستكفي، فتلك نظرة خاطئة، وميراث مدمر.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة