آيفون 10 …
عشاق ومحبو التفاحة المقضومة، وأنا منهم، لمّا يزالوا يحاولون هضم ما شاهدوه على مسرح ستيف جوبز بمقر أبل الجديد الثلاثاء الماضي 13 سبتمبر 2017؛ ودعوني أخبركم أننا نحاول بجِد، إلا أن قطعة وحيدة لا تزال محشورة في جوفنا ترفض حتى ابتلاعها … آيفون 10 – iPhone X!
بالطبع لن نعدم شريحة عريضة مستعدة لدفع 4099 درهم إماراتي (أو 4729 درهم إماراتي لنسخة 256 جيجا) أو ما يماثلها بعملتك المحلية في بلدك (ما بين 20 ألف إلى 23 ألف جنيه مصري بلا ضرائب أو جمارك) بكل سرور للحصول على أيقونة أبل الجديدة. أنت نفسك على الأرجح تعرف واحدًا أو اثنين ممن يخططون بالفعل لشراء آيفون 10.
هذه الشريحة تتعدى مفهوم “المتبنون الأوائل Early Adopters” حتى، وهم الأشخاص الذين يسابقون دومًا لتجربة كل جديد وتبني كل تقنية لم تثبت فعاليتها بعد. فمع آيفون 10 ارتفع الهوس بمنتج أبل الجديد إلى حد غير مسبوق غطى على سلبيات الجهاز والمخاوف المتعلقة بكفاءة التقنية الأساسية المستحدثة به (هوية الوجه Face ID) وبسعره الباهظ.
والمدهش أن جميع تلك الأسباب موجودة بقوة في آيفون 10 القادم بشكل أو بآخر.
لكن للبقية، قد يمثل آيفون 10 أكبر “مقلب” تقني في تاريخ التقنية الحديثة! هل أبالغ؟! فلنبحث الأمر معًا …
هذه هي النقطة الأكثر بديهية هنا والتي تخطر على البال أولًا. فمقابل السعر الذي ستدفعه بابتسامة للحصول على آيفون تضعه بجيبك، يمكنك الحصول على لابتوب جديد رائع، ومن أبل أيضًا! مقابل 999 دولار أمريكي تستطيع شراء ماك بوك إير الجديد وبضعف الذاكرة التي يقدمها آيفون 10.
من جديد، أبل هي ملكة هامش الربح. فآيفون 10 سيباع بهامش ربح كبير للغاية يفوق 100% حتى مع ارتفاع تكاليفه، حيث كشفت المصادر أن تكلفة تصنيعه تبلغ 412.75 دولار فقط كسعر جميع المكونات، بما في ذلك الشاشة التي تصنعها سامسونج لأبل مقابل 80 دولارًا للشاشة الواحدة، وشريحة الذاكرة الداخلية من توشيبا بسعر 45 دولارًا أمريكيًا لسعة 256 جيجا وسعر 24 دولارًا لسعة 64 جيجا، وكذلك المعالج الذي تصنعه TSMC مقابل 26 دولارًا مع بقية المكونات الأخرى.
بالطبع لا تزال هناك تكاليف التجميع والشحن والنقل، ولا ننسى القسم الأكبر وهو تكاليف البحث والتطوير والتسويق؛ لكن يظل السعر مرتفعًا للغاية مع هذا خاصة أنه السعر الأساسي بلا ضرائب بعد! حيث سيبدأ سعر الهاتف في المملكة المتحدة من 1320 دولارًا أمريكيًا، وهو ما يزيد عن سعره الأصلي بنحو 322 دولارًا، فيما سيباع في المجر بـ1466 دولارًا وهو ما يزيد عن سعره الرسمي بـ47%. ويصل سعر الهاتف في الإمارات إلى 1116 دولارًا، بزيادة 117 دولارا عن سعره الأصلي.
صحيح أنه لا ذنب لأبل هنا في هذه الفروق الكبيرة والمحبطة في أسعار آيفون حول العالم نظرًا لاختلاف أسعار الصرف بين الدول المختلفة، علاوة على الضرائب المحلية على المنتجات؛ إلا أن هذا لن يغير الحقيقة التي لا فرار منها: آيفون 10 لا يأتي بسعر باهظ فحسب، إنما بسعر مجحف كذلك!
اسمي بوند … جيمس بوند
ثم ننتقل إلى تقنية الأمان الأحدث لأبل والتي تأتينا مباشرة من عوالم جيمس بوند كما رأيناها في أفلام الثمانينات … تقنية مسح الوجه. أبل دومًا تسعى للبساطة وجعل تجربة المستخدم عفوية سهلة، فلماذا فعلت العكس هذه المرة؟!
أيهما أعقد ويستغرق وقتًا أكبر في رأيكم: الإمساك بهاتفك وبينما تفعل تضغط بإبهامك على زر الهوم و .. ها أنت ذا داخل هاتفك بعدما تأكد أنه أنت عن طريق بصمة الإصبع! كانت تلك أقرب لخطوة واحدة في الواقع. لكن لتسهيل الأمور وتوفير الجهد والوقت على مستخدمي آيفون، ابتكرت أبل تقنية هوية الوجه Face ID. هنا، يتوجب عليك رفع الهاتف إلى وجهك على مسافة آمنة حددتها أبل، ثم انتظر لربع ثانية حتى تقرأ الكاميرا الثورية وجهك وتتعرف عليك وينفتح رمز القفل على الشاشة. هل هذا كل شيء؟ أجل … فقط يتبقى أن تسحب من الأسفل للأعلى للدخول إلى الجهاز! كما ترون هذا أسهل وأسرع كثيرًا من مجرد الضغط على زر.
كذلك يتوجب أن تكون الشاشة مضاءة كي يقرأ نظام التعرف وجهك، هكذا يجب أن ترفع الجهاز أو تنقر عليه لإيقاظه أولًا. هذه خطوة زائدة تضاف لخطوات فتح الجهاز؛ وهي مهمة للغاية لأنها تمنع قراءة الكاميرا للوجوه طيلة الوقت. لكن ماذا لو أمسك أحدهم أو أكثر بهاتفك وحاولت الكاميرا قراءة الوجه أكثر من 4 مرات وفشلت لعدم مطابقة وجه من يمسك بالهاتف لوجهك المسجل؟ سيتم تعطيل خاصية هوية الوجه حتى لك شخصيًا عندما تحاول فتح الجهاز بعدها! وهذا ما حدث حرفيًا أمام الملايين بينما كان كريغ فيديريغي يستعرض الخاصية على مسرح ستيف جوبز الثلاثاء الماضي. هنا ستضطر لإدخال رموز القفل التقليدي لتفعيل هوية الوجه مرة أخرى … هل يبدو لكم كل هذا منطقيًا؟!
وبالطبع ما قامت به أبل هو أنها أعلنت للعالم أنها “اختارت” التحول لتقنية هوية الوجه بدلًا من بصمة الإصبع؛ مع أنها في الحقيقة اضطرت لهذا لفشلها في تطبيق بصمة الإصبع في الشاشة كما انتظر الجميع. كانت تلك خطوة حتمية مع ضرورة إلغاء زر الهوم لتطبيق مفهوم الشاشة الكاملة الذي يحلم به جوني إيف منذ سنوات طويلة. لماذا لم تضع أبل قاريء البصمة في زر التشغيل الكبير على الجانب أو حتى عبر شعار أبل في الخلف؟ لأنها حينها ستعترف ضمنيًا بفشلها في دمج البصمة بالشاشة كما كنا ننتظر؛ وبدلًا من هذا أوهمت الجميع بأنها اختارت التخلي عن بصمة الإصبع واللجوء إلى التقنية الأحدث والأكثر أمانًا وهي قراءة الوجه. لكن هل هي فعلًا التقنية “الأحدث” و”الأكثر أمانًا”؟
واحد في المليون
نحن هنا نتحدث عن مشكلة لم يطلب أحد لها حلًا! هل اشتكى أحدهم يومًا من تقنية بصمة الإصبع كمعيار أمان في الآيفون؟ ولأن الإجابة فلا، فإنه يصعب علينا ابتلاع الطريقة التي قدمت بها أبل تقنية هوية الوجه Face ID إلى العالم.
لن نتطرق هنا حتى للأسباب التي يجب أن تمنعك من السماح لأبل من النظر لوجهك والتعرف عليك أغلب الوقت؛ ولنركز على الإيجابيات التي تتوفق بها هوية الوجه على قرينتها السابقة بصمة الإصبع. فوفقًا لفيل شيللر، مسئول التسويق في أبل، فواحد فقط كل مليون قد يملك وجهًا يشبهك بما يكفي لخداع الآيفون كي يعتقد أنه أنت، وهو معدل أمان أكبر بكثير من بصمة الإصبع التي تملك معدلًا 1 لكل 50 ألف وفقًا لشيلر. هل يجب حقًا أن يجعلك هذا أكثر راحة واطمئنانًا؟
بناءً على المعدل نفسه، فهناك 90 شخصًا آخر على الأقل يملكون الصلاحية لفتح هاتفك إذا كانت تعيش في مصر! ويتضاعف العدد ليصبح 323 شخصًا في الولايات المتحدة وأكثر من 1000 شخص في الصين مثلًا! المقاربة هنا بالطبع غير واقعية إلى حد كبير نظرًا لصعوبة تحققها مع هذا العدد المهول من الأشخاص؛ ومع هذا تبدو أكثر عرضة للاختراق نظرًا لأننا لا نملك إلا وجه واحد وزوج واحد من العيون يمكن مسحهما معًا مرة واحدة، خلاف العشر أصابع التي سيتوجب عليك تجربتها جميعًا (10 مرات) لاختراق معيار الأمان ببصمة الإصبع.
مرة أخرى، هذه مشكلة لم يسع أحد لحلها. مشكلة لم تكن موجودة من الأساس كي تخرج علينا أبل وتعلن أنها نجحت في حلها للمداراة على السبب الحقيقي. هل أبالغ هنا؟ أدعوكم لتذكر هذا المقال عندما تعلن أبل عن آيفون 11 أو أيًا كان اسمه في 2018 بينما يأتي بخاصية مذهلة … بصمة الإصبع مدمجة في الشاشة!
كنيكت!
ثم نأتي إلى تقنية مسح الوجه عبر الكاميرا الأمامية في آيفون X. هل سبق لكم تجربة نظام كينكت Kinect في جهاز إكس بوكس 360 الشهير لألعاب الفيديو؟
نظام كنيكت مثّل إضافة مدهشة وقتها في 2010 عندما أتاح للاعبين إمكانية اللعب عبر تصويرهم والتعرف على حركات أيديهم وتعبيرات وجوههم وكذلك تلقي أوامر صوتية للقيام بمهام محددة كحجز تذاكر الطيران أو طلب الطعام أو الرد على المكالمات حتى. وللقيام بهذا، كان نظام كينبكت يكون خريطة عمق بأبعاد 320 * 240 بدرجة حساسبة تبلغ 2048 مستوى عمق منفصل بناءً على 30 ألف نقطة ليزر يبثها مسلاط أشعة تحت حمراء على الواقف أمامه. هل يبدو هذا مألوفًا لك؟ أين سمعت هذه الأرقام من قبل؟! … أجل في مؤتمر أبل الماضي!
هذه ليست مصادفة على الإطلاق، فالشركة التي اعتمدت عليها مايكروسوفت لتشغيل عتاد كنيكت كانت تلك الشركة الإسرائيلية غير المعروفة حينها وهي برايم سينس PrimeSense، والتي طورت تقنية رائدة لإطلاق شبكة من نقاط الأشعة تحت الحمراء IR Grid على سطح ثم قراءتها عبر كاميرا أشعة تحت حمراء خاصة لاستخلاص معلومات عمق للمشهد عبر شريحة معالجة بيانات خاصة. الآن، حزروا ما هي الشركة التي اشترتها أبل في عام 2013؟ … برايم سينس بالطبع!
كانت تلك خطوة حتمية من أبل بينما أخذت كاميرات قياس العمق في التطور؛ حيث استبدل جهاز إكس بوكس تقنية برايم سينس في كنيكت 2 بأخرى طورتها مايكروسوفت بدقة أكبر استطاعت معها التعرف على الوجوه بل وقياس معدل ضربات قلب اللاعبين! كذلك قامت إنتل بتطوير حساس العمق الخاص بها وأطلقت عليه اسم RealSense، وفي 2016 أطلقت ليوفو جهاز فاب 2 برو Phab 2 Pro وهو أول هاتف يحمل تقنية تانجو من جوجل للواقع المعزز والبصر الصناعي الذي يعتمد على قياس مستوى العمق عبر الأشعة تحت الحمراء.
وأخيرًا، تأتي أبل في 2017 بهاتفها الأحدث آيفون X بكاميرا عمق أمامية تعتمد على التقنية نفسها التي أطلقتها مايكروسوفت بنظام كنبكت. الاختلاف هنا أن نظام كنيكت الأصلي تم تصميمه لتتبع الحركة في غرفة كاملة، بينما تسخره أبل حصريًا لمسح سنتيمترات قليلة تمثل وجه المستخدم مما يعني دقة أكبر بكثير. تخيلوا العدد نفسه من نقاط الأشعة تحت الحمراء (30 ألف نقطة) وقد تم تركيزها على وجه المستخدم فقط بدلًا من غرفة واسعة تضم أكثر من عنصر! بهذه الدقة تستطيع كاميرا TrueDepth في آيفون X أن تصنع مسوحًا مدهشة في تفاصيلها للوجه البشري، وأبل تثق أن هذا أكثر من كاف كي يعمل نظام الحماية القائم على التعرف على الوجه جيدًا بلا أخطاء أو ثغرات.
أنيموجي!
مع كاميرا TrueDepth الجديدة من أبل ونظام التعرف المحسّن على الوجوه الذي تأتي به، فباستطاعة آيفون X توليد شبكة متحركة ثلاثية الأبعاد لوجهك بالكامل. متحركة هنا تعني أن تلك الشبكة تتحرك وفق حركة وجهك بينما تقرأه كاميرا الجهاز الأمامية ليس على مستوى الوجه فحسب، بل على مستوى الأعين والفم كذلك!
هذا شيء عظيم بالفعل، لكن أبل في رأيي اختارت أسوأ طريقة لاستعراض قوة نظام التعرف على الوجه … أنيموجي Animoji!
توقعت أن تطور أبل تطبيقًا صغيرًا أو تدمج واحدًا في الكاميرا لإنشاء وجوه مصغرة من صاحب الجهاز بشكله الحقيقي وإرسالها عبر آي ماسج أو حفظها كصور متحركة أو مقاطع فيديو قصيرة على الجهاز لمشاركتها لاحقًا مع الأصدقاء، لكن أبل فضلت رسم تعبيرات وجهك وخلجاتك على وجوه إيموجي شهيرة.
كان من الغريب بالنسبة لي أن أرى كريغ فيديريغي بينما يصهل وينقنق كالدجاجة لاستعراض مدى براعة الأنيموجي في تقليدك! الأمر طريف بلا شك، لكني انتظرت مقاربة أكثر رصانة في حدث كبير كهذا وعلى مسرح يكرم مؤسس أبل العظيم ستيف جوبز. وأسوأ ما في الأمر مع الأنيموجي هو أنها ستظل لوقت طويل خاصية من طرف واحد! فكونك تملك آيفون X يعني أنك تستطيع مشاركة أصدقائك برسائل أنيموجي مسلية بين الحين والآخر لكنهم للأسف لن يستطيعوا إلا مشاهدتها دون الرد عليك بمثلها. هكذا ستفعلها مرة واثنين وعشرة، ثم تجد الأمر مملًا ومحبطًا أقرب للاستعراض لأنك لا تتلقى جوابًا بالطريقة نفسها.
دورة حياة الآيفون
وأخيرًا هناك النقطة الأكثر إثارة للقلق لدي ولمستخدمي أبل، وهي متوسط دورة حياة الآيفون. كما نعلم جميعًا، فمتوسط عمر أي هاتف ذكي حديث يبلغ عامين فأكثر قليلًا؛ وينطبق هذا على آيفون وأي هاتف ذكي آخر مهما كان قويًا عند انطلاقه. يرجع هذا في الواقع للتطور المرعب لأنظمة التشغيل وللتطبيقات والألعاب والتي تتطلب مع تطورها قوة إضافية وموارد أكبر من الذواكر ومعالج الرسوميات، إلخ، إلى جانب تدهور عمر البطارية الذي لا مفر منه. هكذا يلجأ الكثيرون لتحديث أجهزتهم بدلًا من إصلاحها بينما يكافح البعض الآخر ويتمسك بجهازه أعوامًا أخرى تطول أو تقصر متحملًا بطء التصفح ومعالجة البيانات.
فهل تتقبل هذا مع هاتفك ذي الألف دولار أمريكي؟! هل تتقبل أن تضطر لتبديله أو على الأقل أن تفكر بهذا كما هو الحال مع أي هاتف ذكي آخر من الفئة المتوسطة؟ يبدو هذا محبطًا لأقصى حد بالتأكيد والأكثر إزعاجًا أنه حقيقي بلا ضمان لاستثناء ما من أبل! بل على العكس، أبل تخبرك بأن هذا هو مستقبل آيفون … لكنها لم تخبرك أنه آيفون المستقبل. هناك الكثير مما سيتم تغييره أو تعديله في الجيل الأول من رؤية أبل لمستقبل آيفون.
هل لا زلت أفكر شخصيًا في شراء آيفون X بعد هذا كله؟ على الأرجح أجل، إذا لم أكن أملك آيفون 7 بلس! مستخدمو أبل سيحدثونك دومًا عن تجربة المستخدم الرائعة التي يحصلون عليها مع آيفون؛ ومستخدمو أبل لا يهتمون حقًا بالعتاد وإنما بالنظام. لهذا، إذا كان ما قرأتموه بالأعلى يمثل التحديات التي سيتعين على آيفون 10 مواجهتها في المستقبل، فكيف الحال مع آيفون 8 قما قبله؟! هكذا يبدو آيفون X خيارًا أفضل إذا ما كانت مستعدًا لدفع الفارق بين 8 و10. أخبرونا بآرائكم