استحْيَيْتُ من اللهِ أن أرد قاصدي
استحْيَيْتُ من اللهِ أن أرد قاصدي
قال الأصمعيُّ :
قصدتُ في بعض الأيامِ رجلاً كنتُ أغشاهُ لكرمهِ ؛ فوجدتُ على بابهِ بوَّابًا فمنعني من الدخول إليه ثم قال :
" واللهِ يا أصمعيُّ ما أوقفني على بابِهِ لأمنعَ مثلكَ ، إلاَّ لرقةِ حالِهِ وقصورِ يدِهِ "
فكتبتُ رقعةً فيها :
إذا كانَ الكريمُ لهُ حجابٌ
فما فضلُ الكريمِ على اللَّئيم ِ؟!
فدفعتها إلى بوابه
ثم قلتُ لهُ : " أوصلْ رقعتي إليه ".
ففعلَ ، وعادَ بالرقعةِ ، وقد وقَّعَ على ظهرِها :
إذا كانَ الكريمُ قليلَ مالٍ
تَحَجَّبَ بالحجابِ عن الغريمِ !
ومعَ الرّقعةِ صرةٌ فيها خمسمائةِ دينارٍ
فقلتُ: “والله لأتحفنَّ المأمونَ بهذا الخبرِ ، فلما رآني قالَ :
من أينَ يا أصمعيّ ُ؟!
قلتُ: " من عندِ رجلٍ من أكرمِ الأحياءِ ، حاشا أمير المؤمنين "
قالَ: ومن هو؟!
فدفعتُ إليه الورقةَ والصّرّة ، وأعدتُ عليه الخبرَ.
فلما رأى الصّرّة قالَ :
هذا من بيتِ مالي ولا بدَّ لي من الرَّجُلِ
فقلتُ: " والله يا أميرَ المؤمنين، إني أستحْيي أن تروعَهُ برُسُلكِ "
فقالَ لبعض ِخاصَّتِهِ : " امضِ مع الأصمعيِّ ، فإذا أراكَ الرَّجُلَ فقلْ له: أجبْ أميرَ المؤمنينَ، من غيرِ إزعاجٍ ولا ترويع "
فلما حضرَ الرَّجُلُ بينَ يدي المأمونِ قالَ له ُ:
" أنتَ الذي وقَّعْتَ لنا بالأمسِ، وشكوتَ رقّةَ الحالِ، وأنَّ الزمانَ قد أناخَ عليكَ بكَلْكَلِهِ، فدفعْنَا إليكَ هذه الصّرّة لتصلحَ بها حالَكَ، فقصدَك الأصمعيُّ ببيتٍ واحدٍ ، فدفعتَها إليه ؟! "
فقالَ: " نعمْ يا أمير المؤمنين واللهِ ما كذبتُ فيما شكوتُ لأميرِ المؤمنين من رقّةِ الحالِ ، لكنني استحْيَيْتُ من اللهِ تعالى أن أُعيدَ قاصدي إلا كما أعادَني أميرُ المؤمنين "
فقال له المأمون : " لَلَّهِ أنتَ فما ولدت العربُ أكرمَ منكَ.! "