الصاروخ الكورى الشمالى «هواسونج 14» يقلب الموازين العالمية
الصاروخ الكورى الشمالى «هواسونج 14» يقلب الموازين العالمية
> طارق الشيخ
نجحت كوريا الديمقراطية (الشمالية) مجددا فى إقناع الولايات المتحدة بأنها أمام خصم عنيد على عدة محاور متزامنة وذلك عندما أطلقت صاروخها الغامض الجديد طراز «هواسونج ـ14» (كيه إن ـ 08) تزامنا مع احتفالات الأمريكيين بعيد الاستقلال وقبل أيام من قمة العشرين.
فعلى المستوى الدعائى جاء الإطلاق التجريبى الناجح للصاروخ الكورى الشمالى كرسالة موجهة لأمريكا وحلفائها تفيد بعدم جدوى انتهاج سياسة التهديد باستخدام القوة ضدها وبعدم تأثر القيادة فى بيونج يانج بالتحركات العسكرية الأمريكية والكورية الجنوبية خلال الشهور القليلة الماضية السابقة على التجربة.
كانت كوريا الشمالية قد أعلنت فى مطلع العام الحالى أنها على وشك تطوير صاروخ باليستى عابر للقارات بعد عدة تجارب نووية، وحث زعيم الدولة كيم جونج أون الولايات المتحدة على وقف سياستها تجاه بلاده، ووقتها قال كيم جونج اون فى خطابه بمناسبة العام الجديد إن الدولة المعزولة «صعدت» كقوة نووية، وقال كيم إن كوريا الشمالية اصبحت الآن «قوة عسكرية فى الشرق لا يمكن ان يلمسها حتى العدو الأقوى». وأضاف ان الامة كانت تستعد لاطلاق اختبار صاروخ باليستى عابر للقارات وان العملية «وصلت الى المرحلة النهائية».
وعلى المستوى السياسى نجح الكوريون الشماليون فى تأكيد تمسكهم بدورهم الإقليمى الفاعل فى إطار الإستراتيجية غير المباشرة التى يتم تنفيذها إزاء الولايات المتحدة عبر منظومة متكاملة من التحركات المتعددة المستويات التى تقوم بها عدة قوى فى المنطقة وفى مقدمتها الصين وروسيا والتى تهدف إلى ترسيخ مبدأ التعددية القطبية فى العالم. وتقييد التدخل الأمريكى العسكرى فى إقليم شرق وجنوب شرق آسيا تحديدا وذلك بما يخدم مصالح القوى الإقليمية وفى مقدمتها الصين وروسيا، فقد سبق لهما أن اعترضتا على نشر منظومة الدفاع الصاروخية الأمريكية «طراز ثاد» فى كوريا الجنوبية لما فى ذلك من إخلال بموازين القوى الصاروخية بالإقليم لمصلحة الولايات المتحدة.
وقد بدا ذلك التحدى عمليا بعد ساعات من التجربة الصاروخية عندما تمت عرقلة تحركات واشنطن ضد كوريا الشمالية داخل مجلس الأمن. أما المستوى الفنى فقد شهد تحقق عنصر الإخفاء و المفاجأة على مستوى الرصد حيث حدث ارتباك خلال الساعات الأولى فى توصيف قدرات الصاروخ الذى تمت تجربته، فقد تراوحت التكهنات بين كونه صاروخا بالستيا عابرا للقارات ـ أى له مدى يتجاوز 5 آلاف وخمسمائة كيلومترـ وصاروخ متوسط المدى كما أشارت روسيا!
واستمرت الحيرة إلى أن ذكرت متحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أنها خلصت إلى أن كوريا الشمالية أطلقت صاروخا باليستيا عابرا للقارات، وهو ما يعتقد بعض الخبراء أن مداه يصل إلى أجزاء من الأراضي الأمريكية(الاسكا). وكالة الأنباء المركزية الكورية، وهي الوكالة الرسمية لكوريا الشمالية، أكدت أن زعيم البلاد، كيم جونج أون، قال إن الاختبار الناجح أكمل قدرة البلاد فى مجال حيازة الأسلحة الاستراتيجية التى تشمل قنابل ذرية وهيدروجينية وصواريخ باليستية عابرة للقارات.
كما نقلت الوكالة عنه قوله إن بيونج يانج لن تتفاوض مع الولايات المتحدة، للتخلى عن أسلحتها ما لم تكف واشنطن عن سياستها العدائية تجاه الشمال. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية أن الصاروخ «هواسونج ـ 14» حلق لمدة 39 دقيقة لمسافة 933 كيلومترا وبلغ ارتفاع 2802كيلومتر.
وقال بعض المحللين إن تفاصيل رحلة الصاروخ تدل على أنه بلغ مدى يزيد على ثمانية آلاف كيلومتر، وهو ما يؤهله لبلوغ مناطق مهمة بالبر الرئيسى الأمريكى وذلك فى تقدم كبير لبرنامج بيونج يانج الصاروخى.
وقال مسئولون من كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة إن الصاروخ سقط فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان بعدما انطلق من مطار صغير فى بانجيون التى تقع على بعد نحو مائة كيلومتر إلى الشمال الغربى من بيونجيانج عاصمة كوريا الشمالية. ولم تخف كوريا الشمالية أنها تعمل على تطوير صاروخ يحمل رأسا نوويا قادرا على ضرب البر الرئيسى الأمريكى. وقالت بعد التجربة إن صواريخها أصبحت الآن قادرة على ضرب أى مكان فى العالم. وذلك على الرغم محاولات التخفيف من أثر التجربة حيث بثت وكالات الأنباء الغربية ما قاله جون شيلينج خبير الصواريخ المقيم بالولايات المتحدة من أن التجربة مبكرة و«أكثر نجاحا من المتوقع» موضحا أن كوريا الشمالية أصبحت الآن على بعد عام أو عامين من الوصول إلى «القدرات التشغيلية الأدنى». وقد تناقضت تلك الرؤية مع ما قاله كيم دونج يوب الخبير العسكرى بجامعة كيونجنام فى كوريا الجنوبية من أن الصاروخ قد يصل مداه إلى أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر إذا تم إطلاقه بزاويته التقليدية عند استخدامه الفعلى بعيدا عن التجارب.
وأشار موقع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إلى أن «هواسونج ــ 14» هو صاروخ باليستى عابر للقارات وأنه اختبر لأول مرة، وهو أطول صاروخ باليستى من حيث مداه يتم اختباره بواسطة كوريا الشمالية حتى الآن، ويعد أول صاروخ عابر للقارات تختبره كوريا الشمالية ويتراوح مداه الفعلى ما بين 7و8 آلاف كيلومتر، ما يجعله قادرا على الوصول إلى ألاسكا وهاواى فى الولايات المتحدة.
ووضعت مجموعة ستراتفور البحثية تقييمها للصاروخ الجديد مشيرة إلى أن الصاروخ «هواسونج -14» صاروخا باليستيا عابرا للقارات - وهو بيان تدعمه حتى الآن بيانات الرحلة المتاحة. وحقق «هواسونج ـ 14» الرقم القياسى لأبعد مسافة يقطعها صاروخ كورى شمالى فى الاختبارات حتى الآن.
كانت أبعد مدى لإصابة قد تم تسجيله فى 14 مايو الماضى مع اختبار «هواسونج -12 الذى وصل الى الأوج بارتفاع 2111ونصف الكيلومتر وبلغ مداه 700 كيلومتر مع زمن رحلة يقدر بـ30 دقيقة. وعن المواصفات الفنية للصاروخ تمت الإشارة إلى أن «هواسونج -14» من الصواريخ التى تعمل بالوقود السائل وأنه نسخة محسنة لتصميم «هواسونج ـ 13». وقبل الإختبار الجوى الأول لـ«هواسونج ــ14» يوم 4 يوليو، كان من المقدر أن يتراوح مداه بين 8 و10 الاف كيلومتر، وتظهر الصور التى اصدرتها كوريا الشمالية لعملية الاطلاق ان «هواسونج ـ14» تم نقله الى منصة الاطلاق على شاحنة ناقلة مزودة بخاصية الإنتصاب طراز «WS51200» الصينية المعدلة ــ ولكن أمر الإطلاق لم يصدر من السيارة نفسها وهو تفصيل مهم لأنه يسلط الضوء على الوضع الحالى للنقل الأولى ومدى مرونة إستخدام الصاروخ. وبالتجربة الأخيرة أظهرت كوريا الشمالية تقدما كبيرا في تطوير ترسانتها الصاروخية البايستية، وحققت بيونجيانج توسعات تدريجية أكبر (من حيث المدى) بمجموعة من الصواريخ، وطورت محركات صاروخية قوية ذات وقود صلب أو سائل، وحققت تقدما ملحوظا فى تكنولوجيا المقذوفات والرؤوس العائدة، كما يتضح من بقاء مخاريط الأنف الخاصة بصواريخ الاختبار حتى عند إعادة دخول الغلاف الجوى من نقاط أوج مرتفعة.