رحلة مشوقة على درب كتاب الله * الزهراء.. تحدت الأمية وحفظت ستين حزبا وهي في الستين!
رحلة مشوقة على درب كتاب الله
الزهراء.. تحدت الأمية وحفظت ستين حزبا وهي في الستين!
عبد الرّحيم ابراهمي
2017/05/29
صورة: الشروق
الكلمات المفتاحية :القرآن الكريم، محو الأمية، الزهراء وجلي
هي الزهراء وجلي، من مواليد 1954 بالمدية، دأبت على سماع كتاب الله في بيت الزوجية وسنّها لا تجاوز خمس عشرة سنة، بعدما زفت إلى أحمد ميقاتلي بحي تارخبيت بعاصمة التيطري مدينة المدية. حيث كانت تسترق السمع من جارهم الحاج مصطفى برويس- رحمه الله- وهو يجود القرآن وهي التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة.
بتعوّدها على سماع صوت الحاج مصطفى برويس رحمه الله وهو يتلو لذّكر الحكيم، ازداد حبّها وشغفها بالقرآن الكريم فطلبت من بنات الحاج مصطفى برويس اللّواتي كنّ صديقات لها تسجيل ما يتلوه والدهنّ من كتاب الله وبصفة منتظمة وردا وردا، فكانت تمنحهنّ مسجلا وبه "شريط كاسيت" فارغ يتم فيه تسجيل ما تيسر من كتاب الله بدءا من قصار الصور وصولا إلى سورة الملك. وهي تسجيلات لا تزال الحاجة الزهراء وجلي تحتفظ بها إلى يوم النّاس هذا، لتبدأ قصة عشق بينها وبين كلام الله الذي لا يمرّ يوم إلا تطرب أذنيها بسماعه، وبه يزداد تعلقها بالقرآن الكريم يوما بعد يوم.. حتىّ رحلت نحو مدينة البرواقية بمعية زوجها، حيث تبنت إسماعيل وجلي ابن أخيها، إذ لم ترزق الولد وزرقت بدل ذلك حبّ كلام الحقّ عزّ وجلّ، الذي كانت تسمعه أيضا من كبار القرّاء عن طريق قنوات فضائية فشدّها صوت مصطفى اللاهوتي وأحمد عوض وغيرهما من القرّاء.
.. ثم دخلت أقسام محو الأمية
كانت السيّدة الزهراء وجلي تصطحب إسماعيل إلى مدرسته وتتردد عليه بين الفينة والأخرى لتطمئنّ عليه وتعود بصحبته إلى المنزل. وبينما هي كذلك في أحد الأيام التقت سيدة بقرب مدرسة ابنها تجاذبت معها أطراف الحديث، فسألتها عن السبيل لتصبح مثل هؤلاء التلاميذ وتزاول الدراسة لتتعلم الكتابة والقراءة، وكل ذلك لا لشيء إلاّ حبّا ورغبة في حفظ كتاب الله.. فدّلتها المرأة على مسجد بالبرواقية يمكّنها من تحقيق حلمها، فلم تتردّد في الذهاب إليه لحظة فزارت قسم محو الأمية به يوما واحدا فقط لتخطرها معلمتها نصيرة بأنّها ستغادر هذا المسجد نحو مسجد التقوى وسط المدينة وما عليها سوى الذهاب معها إن كانت ترغب في التعلّم، وهو ما فعلته السيدة الزهراء يوم الخميس كزيارة أولية لتبدأ رحلتها الفعلية يوم الأحد الموالي في كنف كتاب الله.
من حروف الهجاء وقصار السور إلى تحقيق الحلم
إصرار السيد الزهراء وجلي على بلوغ هدفها جعلها تتحدى كل الصعاب وتواجه كل التحديات بصبر وجلد فلم تنقطع يوما عن الدراسة بمسجد التقوى، فتعلمت العربية كتابة ونطقا ومعها كانت تحفظ ما تيسر من قصار السور سماعا، وفي حلق التلقين الجماعي، فراحت تنهل من كلام الله نهلا. فمرّة تحفظ من قصار السور صعودا نحو كبارها ومرّة من كبارها نحو صغارها وصولا إلى سورة يوسف التي هي من أحبّ السور إليها سماعا. فشاء المولى العليّ القدير أن تختم كتاب الله بحفظها سورة يوسف التي شغفتها حبّا، وعمرها ستون سنة موافقة للأحزاب الستين. وتذكر السيد أو الحاجة الزهراء يوم استظهرت آخر آية من سورة يوسف أمام قريناتها بقسم محو الأمية بطلب من معلمتها نصيرة وبإتمامها حفظ كتاب الله فاضت عيناها بدموع الفرح وبكت قريناتها ومعلمتها أيضا فرحا لها وبها فكان المشهد على حدّ تعبير بطلته مؤثّرا للغاية إلى حدّ أنها لم تستطع وصف شعورها وقتها، وهي تسرد لنا فصول قصّة العشق التي جمعتها بكتاب ربّ العالمين.
الحاج أحمد.. وراء كلّ امرأة عظيمة رجل
وإن كان المثل الشائع يقول إنّ وراء كل رجل عظيم امرأة، فإنّه في عائلة ميقاتلي يقول العكس، فالسيّدة الزهراء أقرّت وبكل اعتزاز بفضل زوجها عمّي احمد ميقاتلي عليها في حفظ كتاب الله فكان لها السند والمعين والمشجّع، حتى إنّه قال لنا مازحا: "كنت نقريها فاتتني.. واش تحب". وهي بدورها أكرمته بإهدائه مصحفا كبيرا أهدي لها عشية حفظها كتاب الله، ورغم رمزيته الكبيرة لها، غير أنّها منحته لزوجها عربون محبة وعرفانا لما قدّمه لها من مساعدة في حفظ القرآن الكريم. وكانت تكريمات السيّدة الزهراء وجلي عديدة، منها ما قدمته لها قريناتها بقسم محوّ الأمية وأهل الخير عشية حفظها كتاب الله وهي تكاليف زيارة خير البقاع على وجه الأرض وأطهرها لتعتمر بمعية زوجها ويشاء الله أن تسمع مباشرة من كانت مولعة بأصواتهم الشجية بكتاب الله وراء التلفاز.
تلك هي فصول قصة الزهراء وجلي ورحلتها الربانية في حفظ كتاب الله. فهل بقي لنا نحن ممن فتح الله عليهم بمستويات متفاوتة في العلم، من عذر في عدم حفظ أو حتّى قراءة القرآن؟