منقذ البشرية
منقذ البشرية
هل خطر ببال أحدنا أن يتساءل: لو أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبعث، كيف سيكون حالنا وحال البشرية جمعاء؟
لقد جال هذا التساؤل في خلدي من سلوكيات كاتم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، فقد أورد الإمام البخاري في صحيحه أن حذيفة بن اليمان قال:كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
وللإجابة عن ذلك نقول إن أبلغ رد هو ذلك الحوار الراقي الذي دار بين النجاشي وبين الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه. يقول النجاشي للمهاجرين إليه: ما هذا الدين الذي استحدثتموه لأنفسكم وفارقتم بسببه دين قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أي من هذه الملل؟ فيجيب أميرهم والمتحدث الرسمي باسمهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قائلاً:أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، وبقينا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً مناٌ نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه. فيقول النجاشي: وإلام يدعو وبماذا أمركم : فيرد جعفر:لقد دعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة، والصيام.
فلو أن الله تعالى لم يرسل لنا منقذ البشرية صلى الله عليه وسلم لكان حالنا كما وصفه جعفر للنجاشي، ولكنه جل شأنه شرّفنا وأكرمنا بالحبيب نبياً ورسولاً ومنقذاً،يقول الله تعالى في محكم تنزيله في سورة الأنبياء: و«ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». وأورد الإمام البيهقي حديثاً مرسلاً في (شعب الإيمان) عن التابعي ذكوان أبي صالح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة.
فبمولده صلى الله عليه وسلم أشرقت الأنوار على الكون بأسره، يقول الشيخ الإمام عبدالله سراج الدين في كتابه (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شمائله الحميدة خصاله المجيدة): إن حقاً على العاقل أن يفرح بيوم ميلاده صلى الله عليه وسلم، وأن يُسر ويبتهج بذلك اليوم الذي تدفق فيه النور والهدى والعلم إلى هذا العالم أجمع، لأنه ولد فيه رسول الرحمة للعالمين ونبي الهدى والنور للخلق أجمعين وإمامُ الأنبياء والمرسلين،فأعظِم بذلك اليوم وأكرِم وأسعِد به وأنعِم .
ويقول العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي في كتابه (على مائدة الفكر الإسلامي): وإكرامًا لهذا المولد الكريم فإنه يحق لنا أن نظهر معالم الفرح والابتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام وذلك بالاحتفال بها. ويقول العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (الاحتفال بالمولد النبوي):الاحتفال بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم نشاط اجتماعي يُبتغى منه خير دينيّ، فهو كالمؤتمرات والندوات الدينية التي تعقد في هذا العصر ولم تكن معروفة من قبل،ومن ثَّمَّ لا ينطبق تعريف البدعة على الاحتفال بالمولد؛ ولكن ينبغي أن تكون هذه الاحتفالات خالية من المنكرات.
أما منكرو الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فنرد عليهم بما قاله الإمام أبو شامة المقدسي(596 - 665)هجرية في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث) ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه. واحتفالاً بالمولد النبوي الذي يمتد طوال شهر ربيع الأنور نجأر إلى الله بالدعاء أن يهدي المسلمين في أرجاء المعمورة إلى التخلق بأخلاق النبوة، واتباع المنهج النبوي الشريف.
فؤاد الدقسالاهرام