النهي عن التفاخر بالاحساب والانساب
إن مما بعث به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم هدم أمور الجاهلية المذمومة ومنها الفخر بالأحساب لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ:"إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن [1]" ولحديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة[2]" . ومر رجل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال (ما تقولون في هذا)؟قالوا :حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع.قال ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال (ما تقولون في هذا)؟قالوا :حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع . فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا[3]".
قال الشاعر :
إذا افتخرت بأقوام لهم شرف*قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
ومن الأحاديث التي فيها النهي عن الفخر بالنسب حديث أبي بن كعب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال أحدهما أنا فلان بن فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم انتسب على عهد موسى عليه السلام فقال أحدهما أنا فلان بن فلان - حتى عد تسعة – فمن أنت لا أم لك قال أنا فلان بن فلان ابن الإسلام قال فأوحى الله إلى موسى عليه السلام إن هذين المنتسبين أما أنت أيها المنتمي - أو المنتسب – إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة [4]"
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَبَعْضُ النَّاسِ يَتْرُكُ الصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الرُّتَبِ الْعَالِيَةِ اتِّكَالًا عَلَى حَسَبِهِ وَنَسَبِهِ ، وَفِعْلِ آبَائِهِ فَهَذَا أَعْمَى فَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ :
لَسْنَا وَإِنْ كَـرُمَتْ أَوَائِلُنَا*أَبَدًا عَلَى الْأَحْسَابِ نَتَّكِلُ
نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا تَبْنِي*وَنَفْعَــلُ مِثْلَ مَا فَعَلُـوا
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ تَمَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ .
وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ :
يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ كُنْ أَخَا أَدَبِ*مِنْ عَجَمٍ كُنْت أَوْ مِنْ الْعَرَبِ
إنَّ الْفَتَى مَنْ يَقُـولُ هَأَنَذَا*لَيْسَ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبِي
وَأَحْسَنَ ابْنُ الرُّومِيِّ فِي قَوْلِهِ :
فَلَا تَفْتَخِرْ إلَّا بِمَا أَنْتَ فَاعِلٌ وَلَا تَحْسَبَنَّ الْمَجْدَ يُورَثُ بِالنَّسَبِ
فَلَا لَا يَسُودُ الْمَرْءُ إلَّا بِفِعْلِهِ وَإِنْ عَدَّ آبَاءً كِـرَامًا ذَوِي حَسَبِ
إذَا الْعُودُ لَمْ يُثْمِرْ وَإِنْ كَانَ شُعْبَةً مِنْ الثَّمَرَاتِ اعْتَدَّهُ النَّاسُ فِي الْحَطَبِ
وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فِي عَصَمَ : وَقَوْلُهُ : مَا وَرَاءَك يَا عِصَامُ ؟
هُوَ اسْمُ حَاجِبِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَفِي الْمَثَلِ كُنْ عِصَامِيًّا وَلَا تَكُنْ عِظَامِيًّا يُرِيدُونَ بِهِ قَوْلُهُ : نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ.اهـ
وقال سلمان الفارسي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ :
أبي الإسلام لا أب لي سواه*إذا افتخروا بقيس أو تميم
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :"ومن تلبيسه- أي إبليس- عليهم أن يكون لأحدهم نسب معروف فيغتر بنسبه فيقول أنا من أولاد أبي بكر وهذا يقول أنا من أولاد علي وهذا يقول أنا شريف من أولاد الحسن أو الحسين أو يقول أنا قريب النسب من فلان العالم أو من فلان الزاهد . وهؤلاء يبنون أمرهم على أمرين :أحدهما:أنهم يقولون من أحب إنسانا حشر معه أحب أولاده وأهله . والثاني:أن هؤلاء لهم شفاعة وأحق من شفعوا فيه أهلهم وأولادهم.وكلا الأمرين غلط . أما المحبة فليست محبة الله عز وجل كمحبة الآدميين وإنما يحب من أطاعه فإن أهل الكتاب من أولاد يعقوب لم ينتفعوا بآبائهم . وأما الشفاعة فقد قال الله تعالى {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} الأنبياء :28. ولما أراد نوح حمل ابنه في السفينة قيل له :{إنه ليس من أهلك}هود:46. ولم يشفع إبراهيم في أبيه ولا نبينا في أمه وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفاطمة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا "لا أغني عنك من الله شيئا [5]"ومن ظن أنه ينجو بنجاة أبيه كان كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه [6].اهـ
[1] - رواه أبو داود رقم 5116 والترمذي رقم 3501, 3955 وحسنه وأخرجه أحمد 16/300 وصححه أحمد شاكر وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصعير 2/119وهو في صحيح الترمذي برقم 2608وفي الصحيحة برقم 2700.
[2] - رواه مسلم 6/208-209 رقم 934 .
[3] - سبق تخريجه
[4] - رواه أحمد 4/128 والبيهقي في الشعب رقم 5133 وهو في صحيح الجامع 1504 والصحيحة 1270.
[5] - رواه البخاري2753ومسلم 2.6.
[6] تلبيس إبليس ص 538-539.
[رد مع اقتباس] رد مع اقتباس
05-03-2014, 10:52 AM
الموضوع مقتبس من شبكة العلوم السلفية(http://aloloom.net/vb/showthread.php?t=23417