كليوباترا تحكم مصر.. وابنتها تحكم الجزائر! محمد سلماوي; الاهرام
كليوباترا تحكم مصر.. وابنتها تحكم الجزائر!
محمد سلماوي;
ربما كان أهم ما تكشف لى خلال زيارتى الحالية للجزائر ، رغم أنها ليست الأولي، هو امتداد العلاقة الوثيقة التى جمعت بين البلدين الى عصور ما قبل الميلاد، واكتشاف أن ابنة كليوباترا ملكة مصر حكمت فى ذلك الوقت مملكة موريتانيا التى ضمت الجزائر الحالية.
وقد كانت زيارتى للجزائر هذه المرة للمشاركة فى الدورة الـ21 لمعرض الجزائر للكتاب رئيسا للوفد المصرى حيث كانت مصر هى ضيف شرف هذا العام فى المعرض، والحقيقة أن مشاركة مصر تم الإعداد لها جيدا من الطرفين المصرى والجزائري، فكانت مثار استحسان كل من دخل الجناح المصرى وشارك فى فعالياته المتنوعة، وقد حرص رئيس الوزراء عبد المالك سلال الذى افتتح المعرض، أن يصطحب ضيفه رئيس وزراء النيجر الى الجناح المصرى معبرا له عن زهو لا يخفى بالمعرض وبالمشاركين فيه، وقد سألنى رئيس الوزراء عن عدد عناوين الكتب المصرية المشاركة فى المعرض وحرص على معرفة نوعيتها، ودهش حين علم أنها تتخطى الألف عنوان.
وقد شرفت أن إختارت الجزائر أن تكرمني، حيث منحنى وزير الثقافة عز الدين ميهوبى درع الكمال الثقافى »تقديرا لما قدمتم للأدب والفكر والابداع، وعرفانا بجهودكم فى خدمة الثقافة العربية«، ودار بينى وبين الوزير حديث طويل قبل افتتاح المعرض نبهنى فيه الى تلك المرحلة المهمة من تاريخ الجزائر والتى سبقت ميلاد السيد المسيح حين حكمت البلاد الملكة كليوباترا سيليني، ابنة كليوباترا السابعة ملكة مصر، وزوجة الملك يوبا الثاني، وقد أطلعنى الوزير من خلال تليفونه المحمول على صور المقبرة الملكية التى بناها يوبا الثانى له هو وزوجته كليوباترا سيليني، والتى جاءت على شكل الأهرامات المصرية، وقد كان من أبرز أعضاء الوفد المصرى عالم المصريات المرموق الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار السابق الذى تحمس معى لزيارة المقبرة وتفقد مبناها، فتم ترتيب رحلة قصيرة فى اليوم الثانى لولاية تيبازة التى تقع فيها المقبرة، سعدنا خلالها بصحبة الباحث الكبير الدكتور نبيل عبد الفتاح والدكتور هيثم الحاج على رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب والأستاذ طارق الطاهر رئيس تحرير جريدة »أخبار الأدب«.
وكليوباترا سيلينى (أى كليوباترا القمر) هى الشقيقة التوءم لإسكندر هليوس (أى إسكندر الشمس) وقد أنجبتهما كليوباترا من أنطونيو بعد ابنها الأول منه بطليموس فيلادلفوس، بالإضافة لإبنها الأول قيصرون الذى أنجبته قبل ذلك من يوليوس قيصر، والذى قام أوكتافيوس (أغسطس قيصر) باغتياله على أثر هزيمته كليوباترا وأنطونيو فى معركة أكتيوم البحرية والتى انتحر بعدها الزوجان حتى لا يتم أسرهما من قبل أوكتافيوس الذى كان ينوى أن يسحبهما مكبلين بالأغلال فى شوارع روما كما كانت العادة فى ذلك الوقت، وبعد مقتل كليوباترا قام أوكتافيو بالفعل باقتياد أولادها فى شوارع روما فى أصفاد من ذهب قيل أنها كانت من الثقل على الطفلين بحيث وجدا صعوبة فى السير بها، وبعد اغتيال الابن الأكبر بطليموس فيلادلفوس الذى كان يمكن أن يمثل خطرا عليه لو أنه سعى الى الحكم باعتباره ابنا شرعيا لأنطونيو من زوجته ملكة مصر، تم تربية التوءم الصغار بقصر القيصر، وفى نفس القصر تربى أيضا يوبا الثانى الموريتانى بلغة ذلك العصر الجزائرى بلغة عصرنا الحالي، ويعتقد أن علاقة عاطفية نشأت بين الإثنين لاقت رضا القيصر فتم تزويجهما، وعاد يوبا مع زوجته كليوباترا سيلينى حاكما على موريتانيا التى لم تكن خاضعة تماما للإمبراطورية الرومانية، لكن وجود يوبا وكليوباترا سيلينى اللذين تربيا فى روما كان ضمانا للعلاقات الجيدة بين البلدين.
حين وصلنا الى ولاية تيبازة التى تبعد نحو 40 كيلومترا عن الجزائر العاصمة شاهدنا فوق تل مرتفع ما يشبه الهرم وإن كانت قمته غير مدببة مثل أهرامات الجيزة، وحين صعدنا التل قابلنا ذلك المشهد المهيب للمقبرة الملكية هرمية الشكل والتى جمعت فى معمارها بين الطراز الرومانى الذى تمثل فى الأعمدة المحيطة بها وتيجانها اليونانية ذات الطراز الأيوني، لكن الطابع الغالب على ذلك الصرح الأثرى العظيم كان الطراز الفرعونى الذى لا تخطئه العين، فعلى قاعدة حجرية مربعة الشكل أقيم البناء الهرمى المستدير الذى يبلغ قطره 60 مترا ويبلغ ارتفاعه 32 مترا، والذى تقع بداخله غرفة الدفن الملكية، وقد شرح لنا الدكتور الدماطى الذى دخل اليها، أنها أقيمت بنفس الطريقة التى كانت متبعة فى مصر، غير أنه لم يكن بها أى نقوش من الداخل سوى ما لاحظه على قمة أحدى البوابات من رسم لأسد ولبؤة، وهو ما كان يرمز فى مصر القديمة إلى الزوج وزوجته، وهذا يؤكد بالفعل أن هذه المقبرة كانت ليوبا وكليوباترا معا.
كانت تجربة مثيرة للغاية، أن ترى التاريخ ماثلا أمامك فى أثر لم تسمع به من قبل فهو لايحظى بشهرة دولية كبيرة، وأن ترى تاريخ مصر يمتد الى المغرب العربى على بعد آلاف الكيلومترات، ثم أن تجد هذه المصاهرة بين الدماء الملكية المصرية وحكام تلك الأراضى البعيدة التى لم يتردد ذكرها كثيرا فى المراجع القديمة.
كانت هذه العلاقة فى ذهنى وأنا أتحدث فى كلمتى بالمعرض عن العلاقات المصرية الجزائرية، وبدت لى تلك العلاقة الوثيقة التى شهدناها فى عصر التحرر فى عقدى الخمسينات والستينيات الماضية امتدادا طبيعيا للعلاقة التى جمعت بين البلدين فى عصور ما قبل التاريخ، فقد خاضت مصر الثورة حرب التحرير مع شعب الجزائر، وكانت معركتها معركته، حيث كانت المعركة القتالية تجرى على أرض الجزائر بينما تجرى المعركة السياسية على أرض مصر، وقد لا يذكر البعض أن الكاتب الكبير الدكتور يوسف إدريس قرر عام 1960 أن ينضم إلى صفوف المجاهدين الجزائريين حيث جرح وسال دمه على أرض الجزائر، وحين انتصرت الجزائر فى العام التالى ونالت استقلالها كان الانتصار العسكرى فى الجزائر والانتصار السياسى فى مصر.
وقد أعطى كل ذلك خصوصية للعلاقة بين البلدين تلمسها اليوم بسهولة فى كل جزائرى تقابله.
محمد سلماوي;