. مواضع جواز فتح همزة إنَّ وكسرها
. مواضع جواز فتح همزة (إنَّ) وكسرها:
يقول ابن مالك:
بعد إذا فجاءة أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمي
مع تلو فا الجزا وذا يطرد ... في نحو خير القول إني أحمد
و"بَعْدَ إذا فُجَاءَةٍ أو" فعل "قَسَمِ" ظاهر "لاَ لاَمَ بَعْدَهُ بِوَجْهِيْنِ نُمِي" أي: نسب، نظرًا لموجب كل منهما، لصلاحية المقام لهما على سبيل البدل؛ فمن الأول قوله "من الطويل":
وَكُنْت أُرَى زَيْدا كَمَا قِيْلَ سَيِّدا ... إذَا إنَّهُ عَبْدُ الْقَفَا واللَّهَازِمُ
يروى بالكسر على معنى: فإذا هو عبد القفا، وبالفتح على معنى: فإذا العبودية: أي حاصلة، كما تقول: "خرجت فإذا الأسد"، قال الناظم: "والكسر أولى؛ لأنه لا يحوج إلى تقدير"؛ لكن ذهب قوم إلى أن "إذا" هي الخبر، والتقدير: فإذا العبودية، أي: ففي الحضرة العبودية، وعلى هذا فلا تقدير في الفتح أيضا؛ فيستوي الوجهان، ومن الثاني قوله "من الرجز":
أو تَحْلِفِي بِرَبِّكِ الْعَلِيِّ ... أنّي أبُو ذَيَّالِكِ الصَّبِيِّ
يروى بالكسر على جعلها جوابا للقسم، وبالفتح على جعلها مفعولا بواسطة نزع الخافض، أي: على أني، والتقييد بكون القسم بفعل ظاهر للاحتراز عما مر قريبا في المكسورة، وبقوله: "لا لام بعده" عما بعده اللام من ذلك؛ حيث يتعين فيه الكسر، نحو: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ}، و: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}.
وقد اتضح لك أن من فتح "أن" لم يجعلها جواب القسم؛ لأن الفتح متوقف على كون المحل مغنيا فيه المصدر على "أن" وصلتها، وجواب القسم لا يكون كذلك، فإنه لا يكون إلا جملة.
ويجوز الوجهان أيضا "مَعِ تِلْوِ فَا الْجزَا"، نحو: {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} جواب: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} قرئ بالكسر على جعل ما بعد الفاء جملة تامة، أي: فهو غفور رحيم، وبالفتح على تقديرها بمصدر هو خبر مبتدأ محذوف، أي: فجزاؤه الغفران، أو مبتدأ خبره محذوف، أي: فالغفران جزاؤه، والكسر أحسن في القياس، قال الناظم: "ولذلك لم يجئ الفتح في القرآن إلا مسبوقا بأن المفتوحة.
"وَذَا" الحكم أيضا "يَطَّرِدُ فِي" كل موضع وقعت "إن" فيه خبر قول، وكان خبرها قولا، والقائل واحد، كما في "نحو: خَيْر القَوْلِ إني أَحْمَدُ" الله، فالفتح على معنى خير القول حمد الله، والكسر على الإخبار بالجملة لقصد الحكاية، كأنك قلت: خير القول هذا اللفظ، أما إذا انتفى القول الأول فالفتح متعين، نحو: "عملي أني أحمد الله"، أو القول الثاني أولم يتحد القائل؛ فالكسر، نحو: "قولي إني مؤمن"، و"قولي إن زيدا يحمد الله".
والخلاصة: يجوز فتح همزة (إِنَّ) وكسرها في مواضع كثيرة منها :
1- إذا وقعت بعد إذا الفجائية ، نحو : خرجت فإذا إنَّ زيدًا قائمٌ ، فمن كسرها جعلها جملة ، والتقدير : خرجت فإذا زيدٌ قائمٌ ، ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرًا ، وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية ، والتقدير : فإذا قيام زيد ، أي : ففي الحضرة قيام زيد ، ويجوز أن يكون الخبر محذوفًا ، والتقدير : خرجت فإذا قيامُ زيدٍ موجودٌ .
2- إذا وقعت في جواب القسم ، وليس في خبرها اللام ، نحو : حلفت أنَّ محمدًا صادقٌ بفتح الهمزة وكسرها .
3- إذا وقعت بعد فاء الجزاء ، نحو : مَن يأتني فإنه مُكْرَمٌ ، بالكسر والفتح ، فالكسر على جعل إنَّ واسمها وخبرها جملةً أُجِيبَ بها الشرط ، فكأنه قال : مَن يأتني فهو مُكْرَمٌ ، والفتح على جعل (أَنَّ) وصلتها مصدرًا مبتدأ ، والخبر محذوفًا ، والتقدير : مَن يأتني فإكرامه موجودٌ ، ويجوز أن يكون خبرًا ، والمبتدأ محذوفًا ، والتقدير : فجزاؤه الإكرام .
تنبيه: سكت الناظم عن مواضع يجوز فيها الوجهان:
الأول: أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه، نحو: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى}. قرأ نافع وأبو بكر بالكسر؛ إما على الاستئناف، أو العطف على جملة "إن" الأولى، والباقون بالفتح عطفا على "أن لا تجوع".
الثاني: أن تقع بعد "حتى"؛ فتكسر بعد الابتدائية، نحو: "مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه"، وتفتح بعد الجارة والعاطفة، نحو: "عرفت أمورك حتى أنك فاضل".
الثالث: أن تقع بعد "أما" نحو: "أما أنك فاضل"، فتكسر إن كانت "أما" استفتاحية بمنزلة "ألا"، وتفتح إن كانت بمعنى "حقا"، كما تقول: "حقا أنك ذاهب". ومنه قوله "من الوافر":
أَحَقّا أَنَّ جِيْرَتَنَا اسْتَقَلُّوا ... "فنيتنا ونيتهم فريق"
أي: أفي حق هذا الأمر.
الرابع: أن تقع بعد لا جرم نحو: {لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ}، فالفتح عند سيبويه على أن "جرم" فعل، و"أن" وصلتها فاعل، أي: وجب أن الله يعلم، و"لا" صلة، وعند الفراء على أن "لا جرم" بمنزلة: لا رجل، ومعناه: لا بد، و"من" بعدها مقدرة، والكسر على ما حكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول: لا جرم لآتينك.