أبحاث مهمة تفوز بجوائز نوبل فى الطب والفيزياء والكيمياء لعام 2016 تفسير «التدمير الذاتى» للخلايا وفهم أسرار المادة وتطوير الآلات الجزيئية
أبحاث مهمة تفوز بجوائز نوبل فى الطب والفيزياء والكيمياء لعام 2016
تفسير «التدمير الذاتى» للخلايا وفهم أسرار المادة وتطوير الآلات الجزيئية
عمرو جمال
احتفت الأوساط العلمية الاسبوع الماضى بجوائز نوبل فى المجالات العلمية المختلفة والتى ضمت أبحاثا هامة فى مجالات الطب والفيزياء والكيمياء سيكون لها أثر كبير فى الطفرات العلمية المتوقعة خلال السنوات القادمة. تعد الجائزة هذا العام رقم 110 فى التاريخ، حيث ارتفع عدد الفائزين بها إلى 204 فائزين منذ عام 1901 وحتى اليوم، كما تعد أكثر جائزة مرموقة فى مجال الإنجازات الفكرية والعلمية.
فى مجال الطب حصل العالم اليابانى يوشينورى أوسومى على جائزة نوبل لهذا العام تقديرا لإسهامه فى مجال التعرف على كيفية قيام الجسم البشرى بتكسير وإعادة إنتاج مكونات الخلايا، وهى النظرية التى تعرف بـ”التدمير الذاتى” للخلايا. وتمكن أوسومى من تحديد الجين المسئول عن تنظيم عملية «الالتهام الذاتى» للخلايا وهو مصطلح طبى حديث يعبر عن التهام الخلايا للدهون والأجزاء التالفة وتحويلها إلى مواد عضوية وإصلاح التلف، وتسبب المشاكل فى هذا الجين أمراضا عدة بينها باركنسون والسرطان. فتحت اكتشافات أوسومى الطريق لفهم الأهمية الأساسية للالتهام الذاتى فى العمليات الفسيولوجية، الأمر الذى سيساعد فى علاج عدد من أمراض الجهاز العصبى وأمراض السرطان.
د. شريف الخميسى مدير مركز علوم الجينوم بمدينة زويل أشار إلى أن أوسومى قام بدراسة الجينات الرئيسية التى تشارك فى عملية الالتهام الذاتى للخلية فى خلايا الخميرة، والتى يتم خلالها التقاط المخلفات الخلوية وجمعها فى أغشية تشبه الكيس، ومن ثم نقلها إلى صندوق المخلفات الخلوية والمعروف «بالجسيمات الهاضمة» لتدميرها، وذلك من خلال إنتاج بروتينات أساسية تجتمع لإتمام تلك العملية. كما أظهرفريقه البحثى أن هناك عملية إعادة تدوير خلوية مماثلة تتم فى الخلايا البشرية. وأكد الخميسى أن اكتشافات أوسومى الفريدة هى السبب وراء كل الأبحاث الجارية والتى تهدف إلى تطوير أدوية قادرة على استهداف عملية الالتهام الذاتى فى مختلف الأمراض مثل السرطان، ومكافحة العدوى واضطرابات الصحة العقلية مثل داء الشلل الرعاش، وكذلك مرض السكرى النوع الثانى. وأكد أن الباحثين فى مركز علوم الجينوم بمدينة زويل يعكفون على دراسة كيفية إصلاح الخلايا عند تلف الجزيئات البيولوجية الثمينة، ويعتمدون فى أبحاثهم علي خلايا الخميرة والخلايا البشرية، ودراسة تأثيرها على الأمراض التى تصيب البشر.
أما فى مجال الفيزياء فقد فاز العلماء البريطانيون دافيد ثوليس ودانكن هالدن ومايكل كوسترليتز بجائزة نوبل لهذا العام، عن كشفهم أسرارا جديدة للمادة لم تكن معروفة من قبل. فقد لاحظ العلماء أنه عندما يتم تبريد المادة بشكل شديد أو تصبح مسطحة تتحرك الجزيئات بشكل مختلف. وقدم ذلك تفسيرا لتغير شكل المادة بين الحالات الثلاث الصلبة والسائلة والغازية مع اختلاف درجات الحرارة. وقد ساعد ذلك العلماء فى استخلاص مواد جديدة. واستخدم العلماء الثلاثة الرياضيات لتفسير السلوك الفيزيائى الغريب للمواد عندما تتخذ أشكالا نادرة مثلما يجرى فى الموصلات عالية الكفاءة.
د. شعبان خليل مدير مركز الفيزياء الأساسية بمدينة زويل أن جائزة نوبل فى الفيزياء لعام 2016 قد مُنحت على أبحاث فى مجال طور الانتقال الطبوغرافى والأطوارالطوبوغرافية للمادة، والتى أصبحت واحدة من الموضوعات الهامة فى علم فيزياء المادة المكثفة. وأوضح أن الطوبولوجيا هى فرع من فروع الرياضيات التى تصف الأشكال والهياكل من حيث بعض الخصائص الأساسية، مثل عدد الثقوب بها. واستخدم الحائزون على الجائزة مفاهيم من الطوبولوجيا لوصف الخصائص الإلكترونية للمادة فى حالات البرودة أو التكثف، وساعد عملهم فى تفسير السبب فى أن بعض المواد لها خواص كهربائية غير متوقعة، مثل الموصلية الفائقة فى ظل ظروف معينة مثل درجات الحرارة المنخفضة، وشرحوا أيضا آليات حدوث ذلك. واستخدمت نتائج أبحاثهم فى تصنيع أجهزة التخزين المغناطيسية، كما فتحت الباب أمام أبحاث جديدة قد تمكننا من فهم الحوسبة الكمومية، وابتكار جيل جديد من الأجهزة الإلكترونية والموصلات الفائقة. وأشار د. شعبان خليل إلى أن مركز الفيزياء الأساسية فى مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا لديه مجموعتان بحثيتان، إحداهما تدرس فيزياء الطاقة العالية، حيث تشارك فى التحقق من آلية هيجز ومراحله فى الكون المبكر، والأخرى متخصصة فى دراسة فيزياء المادة المكثفة، وتعمل على دراسة الخصائص الإلكترونية والمغناطيسية للمواد ثنائية الأبعاد.
أما فى مجال الكيمياء فقد مُنحت جائزة نوبل إلى الفرنسى جان بيير سوفاج والبريطانى فرايرز ستودارت، والهولندى برنارد فيرينجا عن تصميم وتركيب «آلات جزيئية» بحجم يقل عن حجم الشعرة آلاف المرات، يمكن التحكم بحركتها ويمكن دفعها داخل جسم الإنسان لنقل عقار دوائى بداخله، وعلى سبيل المثال يمكن تطبيق علاج مباشر على خلايا سرطانية، ويمكن أيضا لهذا المجال الخاص بتكنولوجيا النانو أن يفضى إلى تطبيقات فى تصاميم المواد الذكية. وتأتى الجائزة اعترافا بنجاح العلماء الثلاثة فى الربط بين الجزيئات لتصميم أى شئ وتصغيره حيث استطاع العلماء السيطرة على الحركة على مستوى الجزىء. د. إبراهيم الشربينى أستاذ ومدير برامج علوم النانو وعلوم المواد بمدينة زويل أكد أن اختيار العلماء الثلاثة الفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام جاء نتيجة مجهوداتهم السباقة فى تصميم وتركيب آلات متناهية الصغر على المستوى الجزيئى، فقد بدأ سوفاج هذا الاتجاه البحثى عام 1983، عندما نجح فى تكوين سلسلة بربط جزيئين على شكل حلقتين متداخلتين معا، هذه الحلقات قادرة على التحرك حول بعضها عند توصيلها بالطاقة، وهو الشرط الأساسى لأى آلة لتكون قادرة على تنفيذ مهمة ما. وفى عام 1991، صمم ستودارت خاتما جزيئياً يدور حول جزىء آخر فى شكل محور دقيق، وأثبت أن الحلقة قادرة على التحرك على طول المحور. وفى عام 1999، كان فيرينجا أول شخص يطور المحركات الجزيئية، كما صمم أيضا سيارة نانوية ذات أبعاد أدق 1000 مرة من شعرة الرأس الواحدة. وأشار د. الشربينى إلى أن الباحثين الثلاث وفرقهم البحثية أخذوا علم الكيمياء إلى بعد آخر جديد كليًا، موضحا أن مستقبل تلك الآلات الجزيئية فى مختلف المجالات سواء الطبية والبيئية والتكنولوجية سيكون غير محدود مع مجموعة متنوعة من التطبيقات التى يمكن أن تتراوح من التوصيل الموجة والذكى للأدوية والتحكم فيها بشكل كامل وصولا لذاكرة الكمبيوتر ذات القدرة التخزينية الهائلة. كما سيلعب هذا الاتجاه الحديث من الكيمياء الجزيئية والنانوية دورًا محوريًا فى تطوير أجيال جديدة من المواد، وأجهزة الاستشعار الذكية وأنظمة التخزين ذات الكفاءة فى استخدام الطاقة. الاهرام