بعضٌ من الأرض
بعضٌ من الأرض
شعر : عبده حسن الشنهوري
ــــــــــــــــــــــ
أنا
بعضٌ من الأرض
من ماءٍ ومن طينٍ خُلِقتُ
يحنُّ دمي لها
بين عينيّ تَراها
وعلى ردائي دائمـًا يلهو ثراها
وعلى مدارجها نشأتُ
مرقتُ بين يدَي جنوب
يصحو على إرثٍ ثقيل
يلتفُّ بالعادات
جوهرُها
يرنُّ في أذنيه كالجرس الصقيل
لي زوجٌ كما شمس الشتاء
ولِي
ذريةٌٌ مثل ابتسامات الحزين
بين أوردتي براكين القلق
أنداحُ في شفق الغروب
وأشرق في انبلاجات الفَلَق
الريح تذرو كل أحلامي
وأحلمُ من جديد
تبدو حروفي في فضاء الكون
كالصمت البليد
والصمتُ يقتلني ويدفع جثتي
لكفوف حفـَّار القبور
قلبي يرى مثواهُ
حين تبث آخر شعلةٍ
شمس الغروب
وأكاد أبصر محبسي
وتضيق كل الأفق:
حين تلوج ـ لي ـ نقط الحدود
خيل المغول ـ أمام ناظرتي ـ
تدق حافر تلو حافر في سويداء القلوب
أبدو كأن يد الخطيئة
تقتفي أثري وتوغل في اقتراب
وأكاد أبصر في ثنايا الغد
بعض دمي تناثر في اليباب
صوتي تناهَي في مَدى جُبٍ عميق
لا دار تبصرني سوى
رمسٍ تقهقر دون باب
عشنا ظلامك
ما لعنتُك يا ظلام
ولا شكوتُ الريح يومًا
منها ألملمني
وحينًا أنحني حتى تمر
وأقول مثل أبي الفقير :
" دنيا على حلوٍ ومر"
صُمنا كما نبت القفار
نغفو إذا الريح غفَت
وعلى شموع الستر ننتظر النهار
نهفو إليك
وإلى نسائم ضفتيك
يا أيها النهر التليد
أين اصطخابك
إذ ترفرف في الدجى أرواح بيد
الموت ينظر من كُواه
والأرض حولك يا مليك
وترٌ يفتش عن صَداه
سهران أمسحُ دمعة الدُور الشريدة
سهران حتى يرحل النجم الأخير
إلى مرافئه البعيدة
أطوِى جناحي
مثل عصفورٍ تصيَّدهُ المطر
نسغٌ تغمَّدني ـ مُريب ـ
كبرودة الأطراف تسرى في الغريب
نسغ ٌ كظِلٍّ جاثمٍ ـ فوق المعاصم ـ للقيود
الصعب كان غوايتي
والسهل يكره خطوتي
كلما سألوني عن حالي
أجبت : أنا بخير
وأنا بخيرٍ طالما
لم يهزم النقصان روحي
وأنا المعاند
أحمل النهر على كتفي وأرحل
أخطف الصحراء
أبدلها بأزهارٍ ومخمل
وأنا الموجوع والمكلوم تبدو كلماتي
عسلا
ويظن الأبرياء
أن في قلبي مَنحل
ضاقت ....
وبعد الضيق قالوا :
يزدهي فرجٌ قريب
لله باب لا يردُّ الطارقين
عطر الضراعة أصطفيه فأستكين
ربي ومنه
العفو يمضُغُ كلَّ معصيةٍ تكون
لولاهُ ما ضحِكت سهول
ولا تنفسَت الروابي والعيون
كفَّاهُ باسطتان بالنُعمَى
وقُبّـته ملاذ الحائرين