ما عاش يوما
ما عاش يوما
----------------
في قريتي حيـــث يغفـو أبي وأمي ترابا
وحيث ينهــل حبي على ثــــراها سحابا
فرشت أهـــداب عيني على الدروب قبابا
أجتاحها ملء شوقي دجى وطيـنا وغابا
وذكريـــات تلــــوت على يـــــدي سرابا
وألف أمــس غريـــــب يـــــدق بابا فبابا
ليحصد الليـل شكوى ورعشة واغترابا
في قريتي حيث تبكي الثلوج كل الفصول
وحيث تحيا جمــوع تموت قبل الوصول
وحيث تروي حكايا الضيــاع كل الطلول
رأيته ، كــــان يمشي على حيـــاء كسول
عيناه عمـــق مســــاء جنـــــــائزي ملول
ينداح شـوقا حزيــــنا إلى سحــاب هطول
فالجدب منذ زمـــان يرتاح عبـــر الحقول
الدرب عريان حتى من الظــلال النحيلة
من كل طفل يناغي فـــراشة في الخميلة
فالعــام عـــام بكــــاء ، لا تعطني منديله
وأطرق الشيــخ ظلا من الحيـــاة الثقيلة
ومال نصف جـدار ونصف رؤيا ثقيلة
وقال : هذا زمــان الوداع ، حيوا رحيله
ويومهــا قال شيئا وقــــلت شيـــئا كثيرا
عن قصة الخـلق بدءا ومـلتقى ومصيرا
وكان يحمـل رغــم الظــــلام عقلا كبيرا
سألته : ما تعاني ؟ أجاب : كونا ضريرا
الماء ينصب سيلا في البحر سيلا غزيرا
والأرض تبكي صـداها حرائقا وهجيرا
جـــــل الذي يتـــولى التجويـع والتبذيرا
وملء عينيه غامـــت سحابة مـن دموع
سبعـــون عاما تراءت لـــه وراء الربوع
لو كان سروا عقيـــما لعاش زهو الفروع
لو كان غنـــوة راع لنام بيـــــن الضلوع
لو كان ريش جناح لطار وســــع النزوع
لو كان طينا لهز الحيـــــاة خلف الجذوع
لكنـــــه آدمي يقتــــات حــــزن الرجوع
ويومها وافترقنــا أحسست جرحى مدمى
ومر عــــام وجاشت نفسي عتــابا ولوما
ظمئت للنـــاس كومـــا هنــــاك يزحم كوما
للأمسيات الحزانى تنهـــــار كدحا وصوما
لكـــل حي يـــــرود الوجـــــود أبكـم أعمى
ورحت أســـأل قومــا عنـــه ، أناشد قوما
فتمتموا : مات يوما ، فقلت : ما عاش يوما
( من ديوان أبعاد غائمة للدكتور محمد أحمد العزب )