السلم الأسري لحماية المجتمع /ل .الدكتور عبد الحق حميش*
السلم الأسري لحماية المجتمع
الدكتور عبد الحق حميش* / 22:37-25 سبتمبر 2016
انتشرت في بلادنا هذه الأيام ظاهرة خطيرة وهي كثرة الجرائم الأسرية، الأم تقتل أبناءها، والوالد يقتل ابنه، وأخ الزوج يقتل زوجة أخيه، وأخت الزوج تقتل ابن أخيها.. ولو بحثت عن الأسباب لوجدت أن دواعي هذه الجرائم المنكرة تافهة، وكم استغربت واستغرب معي الجميع أن الأب قتل ابنه لأنه يتأخر كثيرًا في الحمام أو أنه كثير (التحمام)؟
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السلْمِ كَافَةً وَلاَ تَتبِعُوا خُطوَاتِ الشيْطَانِ إنهُ لَكُمْ عَدُوٌ مُبِين}.
إن السلم مطلب أساسي في ديننا، وبخاصة بين أفراد الأسرة الواحدة والتي من المفروض أن أفرادها يحمون بعضهم بعضًا ولا يعتدون على بعضهم البعض.. لكننا ماذا نصنع أمام شياطين الإنس والجن الذين ينفثون سمومهم بين الإخوة والأقرباء من أجل دفعهم للخلاف والشقاق وإلى سوء الأخلاق والتصرفات.
الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من اقتران رجل وامرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع، وتمثل الأسرة للإنسان المأوى الدافئ، والملجأ الآمن، والمدرسة الأولى، ومركز الحب والسكينة وساحة الهدوء والطمأنينة.
لقد أسس الإسلام الأسرة وفق نظام يسود فيه جو المحبة والتراحم، وينبذ كل ألوان العنف والتخاصم، ففصل أحكامها ووضح حقوق كل فرد فيها، وأحاطها بسياج العقيدة والأخلاق؛ صيانة لها من كل ما قد يتسلل إليها من ظواهر وإشكالات تفتك بها، وتخرجها عن مقاصدها.
كما بغض الإسلام كل ما يسيء إلى الأسرة ويعرقل دورها الحضاري، فبناها على أسس وثوابت تضمن استقرارها، وتأدية وظيفتها على الوجه الأكمل، إلا أنه بات من الملاحظ ظهور آفات مجتمعية سلكت سبيلها إليها، فعصفت باستقرارها، وهدمت علاقات المودة والرحمة فيها، فأساءت إليها ولدورها في بناء مجتمع الفضيلة.
ونظرًا للأهمية التي تكتسبها الأسرة في الإسلام، فقد منح لأفرادها مجموعة من الحقوق، وأسسها على أسس ثابتة تقوم على اعتبار الشرع مصدرًا لها، كما تقوم على اعتبارها وسائل لتحقيق مصلحة الأسرة، وتجعل الفرد لا يستعملها إلا في إطار المصلحة الشرعية، وعدم الإضرار.. وإلا كان لزامًا أن تتدخل الدولة للإصلاح، ورد المسيء عن إساءته.
وقد جاءت ظاهرة العنف الأسري نتيجة للحياة العصرية، لأن العنف سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية، فالضغط النفسي والإحباط المتولد من طبيعة الحياة العصرية اليومية، يعد من المنابع الأولية والأساسية لمشكلة العنف الأسري. والأفراد الذين يكونون ضحية له في صغرهم، يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل، كما أن القيم الثقافية والمعايير الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا ومهما في تبرير العنف، وكذلك الجهل بشرع الله في التعامل مع الآخرين ونسيان العقاب الإلهي أو الجهل بالتربية الإسلامية أو الجهل بما دعا إليه الإسلام من الأمر بحُسن التعامل مع الزوجة واحترامها وكذا الأمر بحسن تربية الأبناء، وأن الإسلام يحرم التعدي على الزوجة أو الأبناء بالضرب المبرح أو التعذيب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.
وإن من أهم الحلول لهذه الظاهرة الخطيرة الوعظ والإرشاد الديني كعامل مهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري، إذ أن تعاليم الدين الإسلامي توضح أهمية التراحم والترابط الأسري. والتزام الأسر بالحوار والتشاور في الحياة الأسرية، وهو أمر كفيل بدرء كل ما من شأنه أن يؤدي إلى العنف، ليعم جو المحبة والمودة والتشارك في حل كل ما يعترض الأسرة من مشاكل.
قد يعجز أفراد الأسرة عن حل المشاكل التي قد تعترضهم في مسيرتهم الحياتية، ولا شك أن وصول المحاولات لإنهاء الخلاف إلى طريق مسدود يملي على الأهل المسارعة لعلاج الأخطاء ورد المسيء عن إساءته، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِقِ الله بَيْنَهُمَا}. وإن تدخل أفراد الأسرة القريبة والبعيدة للإصلاح هو رد المياه إلى مجرياتها، وعودة الحياة السعيدة إلى سابق عهدها، وذلك بإيجاد نقاط التلاقي، ودفع أوجه الاختلاف، وحل كل ما يكدر الحياة الأسرية.
وإن تأسيس الأسرة الإسلامية على أسس التدين والأخلاق والحقوق والحوار والتحكيم يؤكد أن الحياة الأسرية هي حياة المودة والرحمة، والتعاون والتكافل في أشد الظروف صعوبة وشدة، وليتبين كل ذي لُب أن الأسرة الإسلامية حل عملي للعنف الأسري.
*أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية/ قطر
الخبر