رسالة إلى إمام المسجد للشيخ جمال بن فريحان الحارثي حفظه الله
رسالة إلى إمام المسجد للشيخ جمال بن فريحان الحارثي حفظه الله
تفريغ محاضرة بعنوان رسالة إلى إمام المسجد للشيخ جمال بن فريحان الحارثي حفظه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
أقدم لإخواني طلبة العلم، تفريغ محاضرة قيمة لشيخنا الفاضل الشيخ جمال بن فريحان الحارثي حفظه الله تعالى ،وهي بعنوان رسالة إلى إمام المسجد ، وقد تطرق الشيخ فيها إلى عدة أمور من بينها أنّ للمسجد منزلة عظيمة ، ومكانة رفيعة في الإسلام وفي حياة المسلمين ؛ ولابد له من مسؤولين عنه ، وأول مسؤول عن المسجد هو الإمام ؛ لدى يجب أن يختار من ذوي العلم والأهلية ،وممن يتقنون القراءة ، ويقيمون حروف القران ؛ ويحسنون التلاوة ، وممن هم على جانب كبير من المعرفة بأحكام الدين والعبادة ، لاسيما الصلاة ..... حتى لا اطيل عليكم أترككم مع التفريغ ؛ أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها إنه ولي ذلك والقادر عليه .
إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، وسيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )( ).
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )( ).
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )( )
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة نحن مع مجلس علميٌ ، من كتاب عُمدة الأحكام، للإمام عبد الغني ابن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي ؛ المولود عام 541 للهجرة 1 ؛
وهو من أئمة أهل الحديث ، المتوفى سنة 600 ـ 2 ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة ؛ونحن اليوم على موعدٍ في باب الإمامة ، ولأهمية الإمامة ، وأهمية الصلاة ، إذ أنَّ الإمام قدوةٌ ، فقد تقاعس بعض الأئمة في أداء هذه الرسالة ، وهي رسالة المسجد ، ولعظم مسؤولية الإمام ، ولأهمية الإمامة الصحيحة أردت أن أفرد هذا المجلس ،بهذه الكلمات ، ولعل الإسم المناسب لهذه الكلمة هو ـ رسالــة إلـى إمـام المسـجد ـ ؛ أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها كل من سمعها وبلغته ،
المسجد له المنزلة العظيمة ، والمكانة الرفيعة في الإسلام وفي حياة المسلمين ؛ ولابد له من مسؤولين عنه ، وأول مسؤول عن المسجد هو الإمام ؛ لدى يجب أن يختار من ذوي العلم والأهلية ،وممن يتقنون القراءة ، ويقيمون حروف القران ؛ ويحسنون التلاوة ، وممن هم على جانب كبير من المعرفة بأحكام الدين والعبادة ، لاسيما الصلاة
ويجب على الإمام أن يكون قدوة صالحة لمن يصلون خلفه ؛ فالإمام متقلد أمراً عظيما في إمامة المسلمين ، وتولي شؤون المسجد ، الذي هو أمانة في عنقه ، سيسأل عنها يوم القيامة ، الإمامة مسؤولية ،أو قل هي مسؤولية الإمام الكبرى ، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، في الحديث الصحيح ( الْإِمَامُ ضَامِنٌ ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ ) ؛ فعلى الإمام أن يتحرى إتمام الصلاة ، وإتقان أفعالها، وعدم إنقاص شئ منها ، فعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه وأرضاه قال ـ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول " مَنْ أَمَّ قَوْمًا ، فَإِنْ أَتَمَّ فَلَهُ التَّمَامُ وَلَهُمْ التَّمَامُ ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ ، فَلَهُمْ التَّمَامُ وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ " ، وفي رواية أخرى من " أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم " ؛ وعن ابي هريرة رضى الله تعالى عنه وأرضاه ، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ ، وَإِنْ أَخْطَأُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ " ؛ وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ثلاثة على من كثبان المسك يوم القيامة: عبد أدى حق الله وحق مواليه، ورجل أمَّ قوما وهم به راضون، ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة) ؛ والإمام يجب أن يكون مرضيا عنه أمام جماعته ، جماعة المسجد ، غير مكروه عندهم ، غير مكروه عندهم ، طبعا دينا ليس قضية دنيا ومخاصمة شخصية ، إنما يكره في دينه ، يكره في خُلُقه ، فليحذر !! ، يقول المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : من حديث ابن عباس رضى الله عنه عند ابن ماجه في الزوائد للهيثمي ؛ " ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا : رجل أم قوما و هم له كارهون و امرأة باتت و زوجها عليها ساخط و أخوان متصارمان " . والإمام أيها الإخوة ، مرشد وهو القدوة للمأمومين في الصلاة ، فلا ينبغي له أن يطيلها كثيرا حتى لا يفتن الناس ولا يجعلها كنقرالديك، وخطف الثعالب ، بل يجب عليه أن يطمئن ويعتدل في صلاته ، لحديث أبي مسعود البدري رضى الله عنه وأرضاه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود" ؛ ـ وعن أبي قتادة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسوأ الناس سرقة الذى يسرق من صلاته " ، أسوأ الناس سرقة الذى يسرق من صلاته ، قالوا : يارسول الله ، وكيف يسرق من صلاته ؟ .. قال " لا يتم ركوعها ولا سجودها" أو " لا يقيموا صلبه في الركوع والسجود" .؛ أخرجه الإمام أحمد والحاكم وصححه . فالواجب أن يكون الإمام مؤهلا علميا ، سليم العقيدة حتى لا يضلل الناس في عقائدهم، عالما بالفروع كي يصحح العبادات ،وكي يجيب على بعض أسئلة المأمومين ، حسب إستطاعته وأن يكون نبيها صالحا تقيا ، ورعا، زاهدا عما في أيدي الناس ، غير مجاهر بمعصية ، يطبق على قدر إستطاعته ما يقول ، فإنَّ ذلك ادعى.إلى قبول الموعظة منه . عليك يا عبد الله ، يا صاحب الإمامة أن تستشعر المسؤولية العظيمة ، وأن تتقي الله سبحانه وتعالى ، فيمن تقلدت أمرهم ، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث عند البخاري وغيره : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته ،والرجل راع في أهله ،وهو مسئول عن رعيته ،والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته ، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ، فهذا الحديث ،يدل على أنَّ الله سيسأل كل من إسترعى على أمرٍ؛ ماذا فعلت ؟، ماذا عملت به ؟؛ وفيما استرعي عليه ، وبدأ بالإمام الأعظم وإنتهى بالخادم ، ومعلوم أيها الإخوة أنّ إمامة المسجد ولاية من الولايات ، وهي ولاية عظيمة لاشك ولا ريب ؛ ولكنها الصغرى ، الولاية الصغرى وأنت مسؤول يا عبد الله عن هذه الإمامة ، وعن هؤلاء المأمومين .
يوم أن تعرض على الله سبحانه وتعالى، فكن قدوة يا عبد الله ، لمن يأتمون بك ؛ إذا وقفت أمامهم يا عبد الله ، فتصور قدرهم ،ثم تصور ما أنت عليه من أعمالٍ وتصرفات ، وهل هي مرضية لله سبحانه وتعالى أم لا ؟
كن ناصحا لجماعة المسجد ، متفقدا أحوالهم ، كن حذرا من حركاتك وتصرفاتك ، خاصة أثناء الصلاة ؛ واعلم أنهم ينظرون إليك ، من حيث تدري ومن حيث لا تدري؟
اجعل لجماعتك يا عبد الله قيمة في نفسك ، وقدّرهم واعطهم قدرهم ؛ ليكن لك قيمة في نفوسهم ، وبذلك يحترموك ، ويستمعون لك وينصتون ، فإذا ملكت قلوبهم بحسن الخلق ، وحسن الإستقامة ، وحسن المعاملة ، وحسن النصح لهم ، وباتباعك للسنة ، ومن غير فضاضة ـ1ـ، فإنك ستملي عليهم ما أنت قائله ، وسيرضون ويصغون إليك ويقتنعون .
أصلح نيتك يا عبد الله ، يا إمام المسجد ؛ اجعل عملك خالصا لله سبحانه وتعالى ؛ لأنَّ الإخلاص أساس نجاج الأعمال ؛كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنما الأعمال بالنيّات ... ـ2ـ .
اتخذ الإمامة طريقا للدعوة إلى الخير ، محتسبا الأجر عند الله لا يكن همك تلك الدنانير آخر الشهر ، راعِ مصالح الناس وظروفهم وحاجتهم ، في صلاتك ، راعِ الرجل الكبير في السن ، الشيخ الهرم ، المريض، ذو الحاجة ، أم الطفل الذي يبكي كل ذلك كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراعيه ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا أم أحدكم القوم فليخفف فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة " أو كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وقد سمع يوما بكاء طفل ، وأراد أنْ يطيل الصلاة فخفف رحمة بأمه ؛ وأن تنصح لهم يا عبد الله ، لاتبخل عليهم بالنصح ، لأنّ الدين النصيحة ،كما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، من حديث تميم بن أوس الداري ، عند مسلم وغيره ؛ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدين النصيحة " ؛ كررها ثلاث ، قلنا لمن ؟ قال : "لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم " ؛ فعماد الدين ولبه وقوامه النصح لكل ما جاء ذكره في الحديث
وذلك بحب الخير لهم ولأئمة المسلمين وعامتهم ؛ وبدل النصح لهم ، وإرشادهم والحرص على هدايتهم ، هدايتهم لكل خير ، وإبعادهم عن كل شر، فاستشعر يا عبد الله بهذه القيادة ، هذه قيادة دينية عظيمة ، وقم بحقها ، ولا تجعلها طريقا للكسب المادي فإنَّ هذا ليس من شأن المتقين .
ومما ينبغي على الأئمة ، أئمة المساجد ، أن يقوم الإمام بتعليم النّاس وإرشادهم ، وأول من يعلّم ، يعلّم المؤذن ، يرشده كيف يؤذن ، يعلمه كيف يؤدي الأذان الصحيح ، والإقامة الصحيحة ، السالميْن من الأخطاء والبدع ؛ أو الذين يشوهون الأذان ، كتلحينه والإطراب به ، أو من يغير الألفاظ ، كقولهم "الله أكبار"، أو "اللهو أكبر" ؛ هذه ألفاظ غير صحيحة ، بل وبعضها تبطل الأذان ولو كان عالما فإنه يكفر ؛ لأنّ "الله أكْبار" ، مفردها كَبْر ، والكبر هو الطبل ، فجعل هنا لفظ الجلالة طبول والعياذ بالله ، وهذا يحصل من بعض المؤذنين نسأل الله الهداية لهم ، أو إضافة الواو بين لفظ الجلالة وكلمة أكبر ، الله و أكبر ؟؛ وهذا خطأ ينبغي على المؤذن أن يطقن الأذان والإقامة ، وعلى الإمام أن يعلمه ويرشده ، كما يجب على الإمام ألا يبخل بالتوجيه والإرشاد لأهل الحي ، وجيران المسجد ، ويحسن معاشرتهم ، ويحضهم على الصلاة ،وأن يرسل لهم من يرى أنه يؤثر فيهم ، أو يتعادهم برسائل صغيرة ، التي فيها تعليم لصلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وكيفية الوضوء والصلاة والطهارة ، وحق الجار وحق المسجد ، كل هذه من الدعوة ، ومن الإرشاد ومن التوجيه .
كما ينبغي للإمام ، إمام المسجد أن يخصص بعض الأوقات للتدريس ، حسب قدرته وإستطاعته وعلمه ، فيقرأ مثلا بعض الأحاديث مع شرحها ، بشكل موجز ولا يثقل على المأمومين ، يختار لهم الوقت المناسب ، إما أن يكون بعد المغرب أو إما أن يكون بعد العصر ؛ وإما أن يكون بعد العشاء ، حسب الوقت المناسب لجماعة الحي ، أو لجماعة القرية أوما إلى ذلك ؛ وأن يتحين الأوقات المناسبة لوعظهم وإرشادهم ، وتذكيرهم بالآخرة وبعذاب القبر ، وبالموت وبالجنة والنار ؛ كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ يتخول أصحابه بالموعظة ، فاتخد المصطفى يا عبد الله قدوة لك .
كما ينبغي لأئمة الجوامع، يعني الخطباء ، أن يعتنوا بالخطبة وأن يحرصوا على جعلها وافية ؛ وافية بالمطلوب بالغاية ،تعالج المشاكل العصرية ، تفقه النّاس في دينهم ، تعلمهم العقيدة الصحيحة ، تبعدهم عن المناهج الهدامة ، تحذيرهم من أهل البدع ، ومن البدع والعقائد الفاسدة ، وأن يجتهد بأن يجتنب التكرار في الخطب ، وعليهم أن يتحققوا هم من صحة الأحاديث التي يستشهد بها في خطبته، وأن يتجنب الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، فإنَّ في الصحيحة غنية عنهما .
وأيضا مما أنبه ، أن يعتني الخطيب بضبط الآيات المراد الإستشهاد بها في الخطبة وغيرها ، وأن تكون الخطبة مستوفية لأركانها ، وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ لها أركان وهي الحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى ، والشهادتان والصلاة والسلام على ،النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ والوصية بتقوى الله عز وجل ، وقراءة آية من القرآن، ذكر ذلك بعض أهل العلم ، بل بعضهم أوجب ذلك ؛ من الحمد والثناء والقراءتان والشهادتان .
وينبغي على أئمة المساجد الخطباء ، أن يعتنوا بالخطبة ، أعني التركيز على موضوع معين في الخطبة ولايعدد المواضيع أثناء إلقاء الخطبة نفسها ، في الخطبة والواحدة ، وأن يعد لهذا الموضوع ويجمع له ، ويستوعب جوانبه ، كما ننبه أيضا الخطباء بالإعتناء بالخطبة الثانية ، لأنّ بعض الأئمة وبعض الخطباء يجعلونها كلها حمداً وثناءً ودعاءً فقط ، لا يربطونها بموضوع الخطبة الأولى ، فالأَوْلى أن يجعلها مناسبة لموضوع الخطبة الأولى ؛ ومكملة لها .
ومما يجب عليك يا عبد الله عدم إطالة الخطبة ، الإطالة المملة ، فقد أثنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ على قِصَر الخطبة ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح " إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَقَصِّرُوا الْخُطبَة فَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا " أَخْرَجَهُ الإمام مُسْلِمٌ وغيره ؛ ومعنى كلمة " مَئِنَّةٌ " ، يعني مظنة ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ ، مظنة كثرة فقهه ، وجاء في حديث عند النسائي ؛ يقول الصحابي الراوي كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصّر الخطبة ، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة .
ومما ينبغي على الخطيب أن يتجنب الخطب القديمة ، التي كلماتها لا تنفع للمجتمع الحاضر ، إلا ما كان من خطب العقيدة وتعليم النّاس أحكام العبادات ؛ ويجب التركيز على دعوة النّاس إلى العقيدة الصحيحة السليمة ، عقيدة السلف الصالح مع بيان عظمة الإسلام وكماله ، وأنه صالح لكل عصر ومصر، كي تكون الخطبة هادفة ، وأن تهتم يا عبد الله ، بما يحدث للنّاس فتبين لهم ما يجدُّ على الساحة ، مربوطٌ بالعقيدة ، مربوط بالأحكام الشرعية ،مستدلا بالأدلة من القرآن والسنة ؛ وألا تجعلها خطبة سياسية ، ولا تجعلها كما يقال برنامج أحداث الأسبوع ، أو أحداث الشهر ، ونعني بأن تكون موافقة لما يحدث في الساحة ، نعني به إن حصل وحدثت مناهج بدعية مخالفة للكتاب والسنة ، كأن يظهر أو تظهر فتنة الخوارج ، في زمن أو في مصر من الأمصار ، أو فتنة أي بدعة من البدع ، أو كارثة من الكوارث فإننا نربطها بأصولنا ؛ الكتاب والسنة ؛ ولا نشغل النّاس بالسياسة ، ونجعل الخطبة كالأخبار ، لا هذه ليست من شؤون الخطيب من الدين في شئ ؛ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت خطبته وعظا وإرشاد ، وتحذير وتنبيه ، وترغيب وترهيب ، وتذكير وتعليم للناس.
كما ننبه الإخوة الخطباء ؛ بأن يلقوا الخطبة بصوت جُهوريّ ، وحماس وأن تكون أداة تبيين وإرشاد ودعوة إلى الله وتوعية ، لا تكون الخطبة ، أداة تنويم وتمليل ، وتنفير الناس عن الدين . فبعض الخطباء هداهم الله ؛ لا يعبأ بأن يخفض صوته ، ويقرأ خطبته وكأنه يقرأ جريدة أو صحيفة ؛ وهذا يشعرك يا عبد الله أنَّ كلامه لا يظهر من القلب ؛ بل كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذرُ جيش يقول : ( صبحكم ومساكم ) ـ1ـ ؛ وهذا يدل على مشروعية تفخيم أمر الخطبة ورفع الصوت فيها ، وأن يجزل كلامه .
وهذا وأسأل الله العلي العظيم أن يجعل ما قلته في ميزان حسناتنا ( إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم آجمعين .
وكان الفراغ ليلة الأحد15 جمادى الاولى الموافق لـ 9 مارس 2014